برحيل الروائيّة الآفرو _أمريكيّة توني موريسون( 18 فبراير 1931_5 أغسطس 2019) يكون حقل الدراسات الإفريقية الأمريكيّة قد فقد واحدة من أبرز أيقوناته الإبداعيّة والنقدية في آن واحد. توني موريسون هي الروائية الأمريكيّة السوداء الوحيدة حتى الآن التي نالت وباستحقاقٍ عالٍ جائزة نوبل للآداب عام 1993 عن مجمل أعمالها الروائيّة، كما أنَّها نالت كذلك جائزة بوليترز عن روايتها الأشهر «محبوبة». وتوني موريسون كذلك هي أول أكاديميّة سوداء تتحصل على مقعد في جامعة برينستون الأمريكيّة العريقة في وقت كانت فيه المقاعد الجامعيّة في هذه الجامعة حكرًا على الرجال البيض فقط. وعلى امتداد حياتها الإبداعيّة الطويلة أصدرت موريسون إحدى عشرة رواية من أشهرها روايتها «محبوبة» التي كانت مجالاً لاشتغال عدد من نقاد ما بعد الكولونيالية في العالم، ومن أبرزهم هومي بابا الذي أشار إلى روايتها في كتابه المهم «موقع الثقافة». وتسرد هذه الرواية المستوحاة من أحداث الحرب الأهلية الأمريكيّة (1861_1865) قصة زنجية أمريكيّة ذات أصول إفريقية تُدعى مارجريت جارنر هربت من عنصرية الجنوب الأمريكيّ آنذاك لتستقرّ في أوهايو، وبعد القبض عليها واستردادها بموجب قانون الرقيق الهارب فضلت البطلة ذبح طفلتها البالغة من العمر سنتين حفاظًا عليها من حياة العبودية، ويظلَّ بعد ذلك شبح الطفلة المقتولة «محبوبة» يطارد الأم طوال حياتها. والجدير بالذكر أنَّ روايات توني موريسون تُرجِمَت إلى عدد كبير من اللغات العالمّية بما في ذلك اللغة العربيّة. في كتابها Playing in the Dark،Whiteness and the Imagination، والترجمة العربيّة للكتاب جاءت بعنوان «صورة الآخر في الخيال الأدبيّ»، للمترجم محمد مشبال، حاولت موريسون من خلال اختصاصها الأكاديميّ النقديّ أن تدرس الأدب الأمريكيّ من منظور تأويلي ثقافي. وقد اجتهدت في بيان مركزية حضور السود في الرواية الأمريكيّة المعاصرة ليس لكيل التهم للكتاب البيض ووصفهم بالآيديولوجية العرقيّة التمييزية، وإنّما كانت تحاول الإجابة عن السؤال: ما منظور المتخّيل الأدبيّ وهو يحاول تصوير الآخر (الإفريقي= الأسود)؟ ترى توني موريسون أنَّ «الأفريقانية» ظّلت حقلاً مهمشًا وغائبًا في الخطاب النقدي، فهناك ما يشبه العمى النقدي المقصود لأسباب مختلفة يحيط بحضور السود ودورهم في الأدب الأمريكيّ. ولأجل ذلك فإن الاهتمام بالسواد أو الشخصية السوداء أو العرق في الرواية الأمريكيّة يمثل إعادة اكتشاف للأدب الأمريكيّ وإعادة تأويله في سياق جديد هو سياق القارئ غير الأوروبيّ أو غير الأبيض الذي يبحث عن ذاته وعن صورته في الخيال الروائيّ الأوروبيّ أو الأمريكيّ. يُعد تيار دراسات الأمريكيين الأفارقة African_American and Post_Colonial Studies واحدا من أبرز دراسات ما بعد الكولونياليّة في العالم. وقد اشتغل عدد من النقاد والمنظرين على دراسة ثقافة السود بوصفها واحدة من أكبر حالات الشتات في العالم مع ترحيل الزنوج القسريّ إلى مناطق بعيدة عن أوطانهم الأصلية بما في ذلك المستعمرات الأوروبية النائية التي كانت بحاجة إلى العمالة الرخيصة. لقد نشأتْ «الزنوجية» من خلال العلاقة المركبة في التفاعل بين ثقافات المصدر الإفريقية ومجتمعاتها المتبناة، حيث تفاعلت مع التأثيرات الأخرى في المناطق الجديدة التي حُمِلَ إليها الأفارقة (الزنوجية). بيّن الناقد ما بعد الكولونياليّ الإيرلنديّ غاريث غريفش في كتابه «المنفى المزدوج، الكتابة في إفريقيا والهند الغربية بين ثقافتين» كثافة الإنتاج الأدبيّ الذي كتبه مبدعون أفارقة باللغة الفرنسية «لغة المنفى» مقارنة بنتاجهم المكتوب باللغة الإنكليزية، وربّما يعود ذلك إلى طبيعة الاستعمار الفرنسيّ في إفريقيا الذي كان من أوجهه الاستعمار الثقافيّ «الفرانكفوني» مقارنة بالاستعمار البريطانيّ الذي كان استعمارًا عسكريًا وإداريًا في المقام الأول. توفّر مثل هذه الدراسات الثقافية عمقًا لمتخذي القرارات السياسيّة وخاصة في مجال التخطيط الاستراتيجي بسبب كون دراسات «الزنوجة» و«الدراسات الآفرو _ أمريكيّة» قد أصبحت دراسات ملهمة ومؤثرة إبداعيًا في عدد كبير من بلدان العالم بما في ذلك الدول العربيّة التي بدأ بعض مبدعيها يستلهمون أدبيات الزنوجة في أعمالهم الإبداعيّة. أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين. dheyaalkaabi@gmail.com
مشاركة :