سارعت العاصمة الرياض الخطى على أكثر من ستة عقود لتصبح واحدة من أسرع مدن العالم توسعاً ونمواً في الجهات الأربع، فكان منظر الخرسانة والحديد السائد، حتى علا البنيان وأصبحت مشروعات البنية التحتية والتنمية شاملة لكل أرجائها. وقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وإلى جواره ولي عهده وساعده الأيمن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -يحفظهم الله- حاملين في يديهما الطموح والفكر والرؤية التي تواكب متغيرات الزمن وطموح المستقبل المختلف، فزفّا لسكان العاصمة ولمواطني المملكة خبراً مغايراً يحمل طموحا متدفقا لا ينضب، رؤيته أن تصبح الرياض في يوم -هو ليس ببعيد- عاصمة للفن والجمال والثقافة والصحة، وجاء الأمر الملكي الكريم يوم أول من أمس بإنشاء الهيئة الملكية لتطوير الرياض ليؤطر تلك الرؤية وليجسدها واقعاً معاشاً من خلال عمل عالي المهنية. الهيئة وتجسيد الرؤية عميد كلية العمارة والتخطيط السابق بجامعة عبدالرحمن بن فيصل بالدمام الدكتور عبدالسلام بن علي السديري عدّ إنشاء الهيئة الملكية لتطوير الرياض خطوة تستوجبها المرحلة القادمة للبدء في تنفيذ مشروعات الرياض الأربعة الكبرى التي تشكل منظومة متكاملة لتكون هذه الخطوة الانطلاقة الحقيقية نحو تحقيق رؤية مملكتنا الحبيبة 2030 لجعل مدينة الرياض نموذجاً عالمياً يقاس به أداء المدن اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وبيئيا، فتلك المشروعات العملاقة انطلقت من الاستفادة من مكونات المدينة ومقوماتها وتقويتها بحيث توازن بين كافة الأنشطة الإنسانية بالرقي بفكره ورفاهيته والحفاظ على صحته بالعمل على خلق بيئة مشيدة تلبي كافة المتطلبات البشرية من سكنية وعلمية وصناعية وتجارية إلى الحفاظ على الثروات الطبيعية والعمل على تطويرها والتي بطبيعة الحال سيكون لها عدة إيجابيات لعل من أبرزها جعل مدينة الرياض أكثر إنسانية وتحسين جودة الحياة وكذلك تغيير نمط حياة الفرد والمجتمع بأن يكون أكثر إنتاجية وانتماء للمكان سواء أكان هذا المكان الفراغ الذي يحيط بمسكنه أو الحي الذي يقطنه أو المدينة التي يعيش بها أو الوطن الذي يحوي كافة مدننا العزيزة. أنسنة العاصمة لفت الدكتور السديري إلى أن من أهم الأمور التي على الهيئة الملكية لتطوير الرياض الانتباه لها هو أنسنة المدينة لجعل المدينة أكثر ملاءمة للإنسان، بحيث يشعر أنه يعيش في مدينة صديقة له تخدمه، وتمكنه من الاستمتاع بحياته وتطور إمكاناته ومزاولة حياته الفكرية والعملية والاجتماعية بشكل إيجابي يخدمه ويخدم من حوله وعليه فإن تلك المشروعات العملاقة ستجعل من مدينة الرياض أكثر إنسانية وذلك بالتوازن بين المسطحات الخضراء والكتل المبنية من المواد المصنعة كالخرسانة والحديد. واستطرد د. عبدالسلام مبيناً بأن الهيئة وعبر إشرافها على تنفيذ المشروعات ستغير نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، وذلك بتهيئة البيئة اللازمة، وأضاف بأن مشروع "الرياض الخضراء" سيجعلها مدينة صحية، من حيث الصحة البدنية والفكرية، فهذه المشروعات ستساعد نمط الحياة لدى الإنسان وتصبح الرياضة ضمن برنامجه اليومي مما سينعكس على صحته ، كذلك رفع ذائقة الناس بالجماليات التي ستضاف للمدينة من خلال الساحات والحدائق والميادين والممرات والتشجير يعطي الإنسان التأمل يقوى فكرياً، سيدعم ويحدث بإذن الله خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية، هذا بالإضافة إلى توليد العديد من الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي. قيمة اقتصادية الخبير الاقتصادي الرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية الدكتور علي بوخمسين قال: إن إطلاق الهيئة الملكية لتطوير الرياض سيكون في سلم أولوياتها تولي إطلاق مشروعات الرياض الكبرى لتكون هاتان الخطوتان مختلفتين جذرياً عن التطور التاريخي وحتى المعاصر الذي مرت به مدينه الرياض منذ انطلاقتها الأولى كعاصمة، حيث من الملاحظ في هذه الحالة الاستثنائية ليس فقط القيمة الضخمة لهذه المشروعات بل أيضا هناك النوعية القيمية لهذه المشروعات على صعيد القيمة الاجتماعية المضافة، وعلى صعيد القيمة الفنية والترفيهية والاستثمارية، ولكل قيمة من هذه القيم عطاءات جمة تضيفها هذه المشروعات من حيث طبيعتها التصميمية واستخداماتها وما ستقدمه للفرد السعودي المواطن والمقيم والسائح الزائر لمدينة الرياض حيث ترى أن حديقة الملك سلمان سترفع نصيب المساحة الخضراء بالمدينة 17 ضعفاً، وسيرتقي بالمستوى الجمالي للرياض كما سيعمل على تنقية أجوائها لتصبح أكثر سلامة ولتكون بيئة صحية للإقامة والعمل، وما سيقدمه مشروع الرياض الخضراء يأتي منسجماً في تحقيق نفس الأهداف وليكون تطبيقا عمليا لتحقيق أهداف الرؤية الوطنية لتصبح الرياض من أفضل مدن العالم بالمقاييس العالمية كمدينة تحقق لقاطنيها متطلبات الحياة العصرية والصحية. وتابع بوخمسين: نحن بصدد مشروع رائد واستثنائي بكل المقاييس سيضفي على مدينة الرياض ثوباً من الجمال والبهاء من الخارج وينعش قلبها ويمد شرايينها بالهواء النقي والأجواء الجميلة، وإقامة مشروعات استثمارية بقيمة تتجاوز 50 مليار ريال ستقام على ضفاف هذه المشروعات العملاقة لتأتي كقيمة اقتصادية مضافة وكمكسب اقتصادي كبير، وهذه تعني فرصا استثمارية واعدة وتخلق وظائف جديدة وتعمل على توطين السياحة وستستقطب مزيد من السياح، وسيقدم الكثير من التعزيز لعجلة التنمية الاقتصادية وسيخدم الاقتصاد. مشروعات عالمية فيما ذكر المهندس طفيل بن يوسف اليوسف المتخصص بالمدن الترفيهية وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بكلية العمارة والتخطيط قائلاً: شيئا فشيئا بدأ الحلم يتحقق على يدىّ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله ورعاهم-، حيث إن وجود كيان كالهيئة الملكية سيحوّل الرياض إلى نقطة جذب عالمية تواكب الرؤية الوطنية الطموحة، وتساهم في تحقيق الجوانب النوعية لأهداف التنمية المستدامة اجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً، ومن ناحية المعايير التخطيطية للمدينة أشار إلى أنها ستعالج مشكلات المدن الكبرى وهو نقص (المناطق الخضراء) وتتعرض للمناخ القاسي، فعندما تتحول الرياض إلى بيئة محببة وتتسم بفاعلية أكثر وتزداد حيويتها الحضرية urban livability، وهذا يعني مستوى عالٍ من التفاعل الاجتماعي في بيئة حضرية صديقة تدعم المشي الصحي والاستمتاع بالمناظر الخارجية، وتشجع على التفاعل مع الأنشطة التجارية في إطار المناخ المحلي المريح، بالتالي فهي تسهم في رفع جودة الحياة بالمدينة، وستضاهي هذه المشروعات مشروعات العواصم العالمية الكبرى، وتقلل الاعتماد على المركبات الخاصة وتزيد من استخدام وسائل النقل العام وتفعّل رياضة المشي الصحي بوسائل صديقة للبيئة أكثر استدامة وأماناً، مشيراً إلى أن هذه المشروعات الضخمة تعتبر رئة صحية ومتنفساً للمدينة تشجع على العادات الصحية وتسهم في ارتفاع معدل الصحة العامة، وتحسن من سلوكيات المستخدمين، وتزيد من التطلع للعمل الإيجابي المنتج ومن معدل رضا المستخدمين. ومن الناحية الهندسية سوف تعمل هذه المشروعات التي ستتولاها هيئة تطوير الرياض على تحسين الوضع الراهن للمدينة بإحداث التكامل بين الأنشطة الحضرية المتنوعة وتحقيق كفاءة أعلى في الاستخدامات الحضرية لأراضي المدينة، كما ستخلق فرصاً وظيفية لخريجي الهندسة عامة. حلم يليق بوطن عظيم وصف الفنان ومدير عام جمعية الثقافة والفنون بالمملكة سابقاً عبدالعزيز السماعيل ما حملته مشروعات الرياض من معلومات بالمبهج والمفرح وقدم تهنئته لفناني المملكة وعلى وجه الخصوص الرياض على هذا المشروعات الضخمة، مشدداً على أن هذه النوعية من المشروعات ستكون القاعدة التي ستقود الحركة الفنية والثقافية في المملكة بشكل عام عبر مدارسها ومعاهدها، ووصف المشروعات بأنها الحلم الذي يليق بمكانة وطننا العريق والعظيم والجميل. وأعرب السماعيل عن استبشاره في الجيل القادم والمواهب والمبدعين والمبدعات سيجدون لهم فرصة حقيقية ليس فقط لتقديم فنونهم وإنما للدراسة والتطوير والبحث العلمي في مجال الفنون، معيداً ثقته في أن هذه القاعدة التي وضع لها حجر العام منتصف هذا العام أن تعوض محبي الفن ما فقدوه طوال العقود الماضية من مشروعات التوثيق التراث والفنون، وتطوير التراث الشعبي، والفنون الشعبية وتطوير المسرح المحلي والموسيقى السعودية تطويرها وتوثيقها والعمل عليها. الذائقة الفنية للشباب شدد السماعيل على أن مشروعات ستسهم بقوة في رفع ذائقة جيل الشباب، واستدرك مطالباً بعدم الاستعجال على رؤية النتائج، مضيفاً بأن تأثيرها سيلحظ منذ البداية إلا أن تحقق النتائج سيتحقق مع مرور الوقت، فهذه القاعدة الفنية ستبني أجيالا من الشباب المتخصصين من خلال الدراسات الأكاديمية أو العمل في الورش والمختبرات أو من خلال التخصصات، هذه ستحدث مع مرور الوقت تطورا تدريجيا سيكون راسخا وجميلا، تطور على أسس علمية سليمة وعلى أساس قاعدة الانطلاق من المحلية إلى العالمية، وعليه لن أستعير منذ اليوم نموذج أو تجربة فنية وإنما سأقدم نفسي للآخر بقدراتي ووعيي وأدبي سأقدمه للآخر وسأكون منافسا إيجابيا مثلي مثل بقية الثقافات الأخرى في العالم، هذه تحتاج إلى هذه الجهود، ولكن حتماً لن يحصل هذا الأمر سريعاً ولكن بالطبع ستبنى بشكل جميل تدريجياً ويحقق الحلم الذي كان جميع المهتمين بالشأن الفني السعودي يحلمون به. عاصمة للفن وقال الشاعر والمهتم بالشأن الثقافي إبراهيم منصور أن من أبرز ما لفت نظره في المشروعات التي ستنفذ في الرياض هو مشروع (الرياض آرت) الذي وصفه بالطموح الذي ينمي الذائقة البصرية على الجمال، وهو امتداد طبيعي لحركة التنمية التي تبنتها رؤية المملكة 2030، لتتبوأ المملكة مكانها ومكانتها في شتى المناحي، وفكرة المشروع فكرة رائدة؛ لأنها تغطي مدينة هي الأكثر اتساعا على المستوى العربي، وتنقلها من كونها عاصمة الصحراء إلى عاصمة الفن من خلال استغلال المساحات وملئها بالجمال من خلال استغلال طاقات الشباب السعودي مع إضافة اللمسة الجمالية من فناني العالم الذين يشاركون في المشروع، ونبه إلى أن الجانب الأهم في مشروع الرياض آرت يتمثل في تربية أجيال تدرك قيمة الفن وتتفاعل معه من خلال شغل مساحات في أنحاء المدينة بصورة تبعث على الراحة وهو مشروع رائد ينقل مدينة الرياض إلى مصاف المدن الفنية التي يقصدها محبو الفن للاستمتاع باللوحات والتماثيل والتقسيم الجمالي للخضرة واستغلال المساحات بصورة مريحة، وهذا يخلق فرص عمل جديدة للشباب. انتصار للثقافة ومن جانبه، أكد الشاعر والمهتم بالفنون التشكيلية والبصرية السيد الجزايرلي على أن المشروعات العملاقة التي ستقام في الرياض والمتزامنة مع إنشاء الهيئة ستحدث نقلة جذرية في البنية الثقافية لدى المجتمع السعودي بشكل عام، وكان هذا التوجه حلماً بأن تولي المملكة اهتماماً بالفنون وتعطيها ما تستحق من تقدير كما تهتم بالجوانب التنموية الأخرى، وقلت يومها: إن المملكة تقفز بخطوات متسارعة في مختلف الاتجاهات التنموية إلا أن الفنون البصرية لا يلتفت إليها أحد وكأنها خارج الحسابات". ووصف الجزايرلي المشروعات بأنها انتصار كبير للثقافة والفنون في المملكة، ولفت إلى أن هذا الانتصار لم يأتِ بصورة خجولة أو متواضعة، بل جاء قوياً طموحا بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030، ومع تطلعات قائد التغيير الأمير محمد بن سلمان، معتبراً أن ربط المشروعات المباشر بسمو ولي العهد من خلال رئاسته "لجنة المشروعات الكبرى" يمنحها قوة. وبين أن البعد الثقافي والفني أصبح جزءا أساسيا من برامج التحول الوطني ورؤية المملكة، وهذا ما يؤكده البناء الاستراتيجي المتطور في التخطيط المتكامل لهذه المشروعات الكبرى التي تسعى من خلال أهدافها الأساسية إلى تعزيز الجوانب الثقافية والفنية عبر إنشاء المتاحف والمسارح والمعارض وصالات السينما وأكاديميات الفنون، وتحويل مدينة الرياض إلى معرض مفتوح من خلال الاستثمار في طاقات الفنانين والمبدعين السعوديين والعالميين وتكليفهم بتنفيذ معالم وأعمال فنية جمالية في كل أحياء وشوارع الرياض. د. علي بوخمسين عبدالعزيز السماعيل د. عبدالسلام السديري م. طفيل اليوسف السيد الجزايرلي إبراهيم منصور
مشاركة :