النهضة ترنو للاستحواذ على الرئاسات الثلاث في تونس

  • 9/2/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم تصمد مواقف راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية، بخصوص التوافق والتشارك في الحكم على أرضية المصلحة الوطنية العليا وتقاسم الأهداف، أمام إغراءات السلطة والرغبة المُبيتة في الهيمنة التي كشفتها سطوة فائض القوة الناتجة عن تشتت بقية القوى السياسية في زمن انتخابي مفصلي تمرّ به تونس. وبدا واضحا أن الغنوشي الذي يُدرك جيدا أن استمرار ذلك التشتت يخدم أجندات حركته، ولا بد من تجاوز المواقف الرمادية تمهيدا لمُتطلبات المرحلة القادمة التي تستدعي الاستحواذ على الرئاسات الثلاث في البلاد وفق قراءة سياسية مُرتبطة بحسابات هذه الفترة الانتخابية. ولا تخرج تلك الحسابات عن سياق المشروع الاستراتيجي لتنظيمات الإسلام السياسي، وحركة النهضة الإسلامية واحدة منها، الذي يقوم على مبدأ التمكين للوصول إلى السلطة، ثم الاستيلاء عليها في التوقيت المُناسب بمُبررات مُتعددة وتحت عناوين مُختلفة. ويرى الغنوشي الذي يُراهن كثيرا على الوقت، أن الظروف أصبحت الآن أفضل للاندفاع نحو محاولة تنفيذ المقاربة السياسية لمستقبل المشهد التونسي، وفقا لأجندات حركته، لذلك سارع في كلمة ألقاها، مساء السبت، أمام حشد من أنصاره في مدينة الحمامات الساحلية، إلى التنصل من مواقفه حول التعايش والشراكة في الحكم التي طالما دفع بها إلى الرأي العام. ولم يتردد في تلك الكلمة التي جاءت في جوهرها مُتناقضة مع ما أعلنه قبل يوم واحد، في القول إن حركته ترنو إلى “الفوز بالرئاسات الثلاث في تونس”، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، ما يعني السيطرة التامة على السلطات التنفيذية والتشريعية، وبالتالي السيطرة على مُجمل المؤسسات السيادية في البلاد. وقال الغنوشي إن حركة النهضة “تطمح للوصول إلى السلطة لتحكم عبر قصر قرطاج الرئاسي بفوز مرشحها عبدالفتاح مورو، وتُعول على الحكم عبر فوزها بالتشريعية فيكون رئيس الحكومة من صلبها، ما يخوّل لها تشكيل الحكومة المقبلة، فضلا عن حصد الأغلبية في مجلس النواب، وبالتالي تولي أحد ممثليها رئاسة البرلمان”. وأضاف “منذ 2011 تدربنا على الحكم في البرلمان، ثم تيقنا أن الحكم في تونس بعد دستور 2014 لا يكون إلا بالبرلمان، وقد مارسنا الحكم في البرلمان بشكل مسؤول وخبرناه، فلماذا لا يكون حاكم قرطاج غدا أحد أبنائنا؟”. وكان لافتا أن الإفصاح عن هذا الموقف الذي يشي بأن سياسة التمويه التي مارسها راشد الغنوشي، قد وصلت إلى آخر فصولها، لاسيما وأنه تزامن مع بدء الحملات الانتخابية للاستحقاق الرئاسي السابق لأوانه، وجاء بعد يوم واحد من إعلانه عن مواقف مُغايرة. واعتبر الغنوشي في تلك المواقف التي عبّر عنها، الجمعة الماضي، في كلمة ألقاها خلال ندوة عُقدت بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة خُصصت لتقديم البرنامج الانتخابي لحركته، أن “تونس ما زالت تحتاج إلى التوافق، وبعيدة من أن تُحكم بحزب واحد ولو ديمقراطيا”. وأضاف في كلمته أن “سياسة التوافق كانت السبيل لإنقاذ البلاد، وصنع الاستثناء التونسي، وتجنيب البلاد منزلقات كثيرة كانت قد شهدتها عدة بلدان أخرى، وما كان للنموذج التونسي أن يصمد في مواجهة الأعاصير لولا سياسة التوافق التي غلب عليها أنها كانت بين شخصين إلا أنها تحولت إلى سياسة بلد”. وأمعن الغنوشي في مواقفه المُتضاربة في رسائل تعكس ازدواجية في الخطاب الموجه إلى الداخل والخارج، حيث شدد في كلمته، على أن حركة النهضة “تؤمن بالتوافق وفي سبيله تنازلت عن الحكم سنة 2013 لمصلحة البلاد باعتبار أن تونس أغلى على النهضة من السلطة”. وحركت هذه المواقف التي تبدو شديدة الارتباط بسياق الترتيبات التي يُريد الغنوشي أن تنتهي إليها الأوضاع في البلاد، المخاوف من جديد لدى مختلف الأوساط السياسية والمراقبين لتطور المشهد التونسي، خصوصا وأن ارتداداتها المحتملة تتجاوز ما هو تكتيكي في علاقة بالحملات الانتخابية، إلى ما هو استراتيجي مُرتبط بخطط وأجندات تنظيمات الإسلام السياسي. ورأى المؤرخ والمحلل السياسي خالد عبيد، أن الخوف من مُخططات الإسلام السياسي ما زال قائما، والريبة منها لم تُبدد بعد، رغم التراجعات المُسجلة على المستوى التكتيكي، التي عكستها الانحناءات السابقة لتنظيمات الإسلام السياسي أمام المُتغيرات الإقليمية والدولية. وقال عبيد في تصريح لـ”العرب”، إن الغنوشي أعرب في كلمته التي ألقاها في مدينة الحمامات، مساء السبت، عن أمنيته وغايته في هذه المرحلة التي يبدو فيها المشهد العام مُشتتا، لكنه يُدرك أن تحقيق ذلك غير مُمكن لعدة اعتبارات لها صلة بالحسابات والمعادلات، التي تتشكل على أرضيتها قواعد العمل السياسي في البلاد. وأضاف أن تلك الحسابات والمعادلات هي التي دفعت الغنوشي إلى طرح فكرة التوافق قبل ذلك، لأنه يدرك أن حركة النهضة لا يمكنها أن تكون في الصف الأمامي للمشهد، ومن مصلحتها أن تبقى تحكم من وراء الستار بانتظار الظروف الإقليمية والدولية المواتية لها. ويجد هذا الرأي صدى له في قراءات مُختلف القوى السياسية، غير أن خروج الغنوشي بمثل هذه المواقف التي تكشف عن رغبة دفينة في الاستحواذ على السلطة، في هذا التوقيت الانتخابي، يُعيد إنتاج الأسئلة الحارقة حول جدوى “التوافق” الذي تُدافع عنه بعض الأحزاب الوسطية للهروب من الأزمات التي تعصف بخياراتها.

مشاركة :