حول ثقافة التسامح والسلام

  • 4/25/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كعهدها، في تبني الخيارات الثقافية التي تنشغل بها ذاكرة الحاضر، تبنت مجلة «العربي» الكويتية، في المدة من 9-11 مارس 2015 الملتقي الرابع عشر بشعار «ثقافة السلام والتسامح»، وقامت مشكورة بتوجيه دعوتها الكريمة للعديد من المفكرين والمبدعين والأكاديميين الحريصين على الاسهام الثقافي بالكتابة على صحفات هذه المجلة العريقة بقصد تقديم تجاربهم ورؤاهم لمساءلة التاريخ، وتأمل ما يجري في الواقع والعالم استبصارا لاستشراف المستقبل. وكان الحضور متميزا وجادا. وكان اختيار موضوع «ثقافة التسامح والسلام» لمواجهة ما يجري في منطقتنا من تطرف وصراعات وأزمات تستدعي الثقافة كفعل مواجهة، وأداة لإبراز المعاناة الانسانية في زمن استبدلت فيه السياسة والتطرف بقيمة حق الانسان في الأمان والعيش الكريم بفرض الترويع والمجابهة والعنف وسفك الدم. أيام، كانت خلالها مدينة الكويت جديرة بما تقدمه، وكان أصحاب الشأن في مجلة «العربي» التي بدأت مشاركتها في الفعل الثقافي منذ العام 1958، تطور أدواتها وتلتزم عبر نصف قرن بأن تكون منبرا حرا للتعبير عن الشأن الثقافي العربي. حضرت الملتقي، وأنا أحمل العديد من الأسئلة حول الغاية والهدف من عقد ندوة تعقد عن التسامح والسلام في زمن يسود فيه العنف، والعنف المضاد!! كيف نستطيع أن نواجه ما يجري بذاكرة مثقلة بتلك المشاهد المروعة التي نعيشها في الصحو والمنام؟ هل يمكن نسيان ما يجري على الأرض العربية من ترويع، وشن حرب على شعوب آمنة تسعى حيث الاستقرار، ورتق شؤون حياتها الصعبة، ولملمة جراحها، برفع شعار المسامحة والسلام في مواجهة ذاكرة المحو والتعصب؟ هل في قدرة المواطن العربي الآن أن يتجاوز ما جرى بدون مساءلته ؟ هل عليه أن يعيش بذاكرة الماضي التي تحاول أن تفرض عليه تراثا يتبني العنف هدفا للاصلاح والتعصب طريقا للسلطة؟ متى يكون الصفح والسلام والمسامحة طريقا للنسيان، والعفو العام، وفي نهاية الأمر مكافأة للكراهية والتعصب؟ أسئلة كثيرة كنت أنشغل بها، وندوات الملتقي تتابع في اصرارها أن التسامح والعفو هو الطريق الوحيد للسلام والاستقرار!! افتتح المؤتمر بكلمة وزير الاعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سليمان صباح سالم الحمود وكانت تؤكد على القيم والمعاني الانسانية التي تمثل منطلقات المؤتمر كما أكد الوزير على أن مجلة «العربي» سفيرة للثقافة العربية حيث تتكامل في رسالتها الآداب والفنون والمعارف. وأوضح أن المنطقة العربية تمر بظروف عصيبة يدفع فيها المواطن مأساة الشتات والحروب ووطأة الإرهاب. بينما أكد رئيس مجلة «العربي» د. عادل سالم العبد الجادر في كلمته معتبرا أن الملتقى رحلة للتأمل في مفاهيم التسامح وقيم السلام والتعريف بالمنهج الذي تتخذه دولة الكويت عبر عقود من العطاء لتصل بالتسامح الى روح السلام. بدأت ندوات الملتقى تحمل أسئلتها عبر ممارسة الحوار، وطرح الأفكار والتعليق عليها من حضور يحركه الوعي والفهم المتحضر لمجريات الأمور. وتعددت الأصوات سعودية ومصرية ومغربية وقادمة من أوروبا وغيرها، ثم بدأت مراسم التكريم وتسليم الدروع وشهادات التقدير: عبدالله بشارة وجائزة قائد الإنسانية.د. عبدالله الغنيم وجائزة «تاريخ المؤسسات الكويتية الانسانية. د. عدنان شهاب الدين مدير عام مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لاسهامه في «توجهات وارشادات التسامح والسلام» كما تم تكريم الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين لدوره في الابداع الشعري. ثمة ندوة عن «ثقافة السلام قراءة في المفهوم» للدكتور عبدالملك التميمي يتكلم فيها عن الثقافة كاختيار نواجه به أي تجاوزات تضر بالانسان ومصالحة. وقدم د. محمد أمين ميداني ورقته عن الحق في السلام ونشر التسامح كمعايير لتعزيز حماية حقوق الانسان». ثم كانت ندوة «ثقافة التسامح والسلام في الأدب» الذي شارك فيها الروائي والباحث يوسف زيدان. وكعادته دائما في اثارة الخلاف وطرح قضاياه المستفزة أحيانا، والمثيرة في أحيان أخرى فلقد طرح مفهومه للسلام باعتباره لا يعرف الا بنقيضه وحده وان ثقافة السلام في حاجة للنظر للآخر باعتباره شريكا، وأن التسامح من الممكن أن يفجر ما يسعي لتحقيقه اذا لم نتوجه نحن أولاً بالتسامح والسلام الى الآخر، متناسيا يوسف زيدان أننا وعبر مئة عام من الصراع مددنا فيها اليد كثيراً بالتفاوض والسياسة والثفافة والاعلام والوسطاء والمبادرات ومشاريع الصلح طالبين لكي يحل هذا التسامح ويتبعه هذا السلام أن نحصل على حقوقنا التي اغتصبت بالسلام وبالأيدولوجيات المتعصبة. كما أسهم د. مصطفى بشير يتش رئيس مركز الوسطية للحوار في سرييفو بورقة حملت قدرا من الوضوح وذكر من خلالها ان مسألة الحرب والسلام هي الشاغل للانسان المعاصر. وان هويته لم تأت من كتاب «فن الحرب» وانما جاءت من كتاب الله ومن الدين الوحيد الذي يحمل في اسمه السلام، وأكد تمسكه بدينه وتعاليمه في قارة مثل أوروبا، وفي بلد مثل البوسنة. مساحة تفعل عن المسامحة وتتجسد عبر أيام ثلاثة. تسعى لتحقيق حلم عربي يسعى، في منطقة يروعها العنف والتعصب والصراع، تلوذ بالدين احيانا، وتعيش الماضي أحيانا أخرى، فيما تسعى الثقافة الانسانية لتحقيق شروط دولة مدنية يعيش في ظلها أصحاب الرأي، والرأي الآخر في ثقة واطمئنان.

مشاركة :