المال المقدس.. الحرام يصبح حلالا بالبركة

  • 9/4/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بثت فضائية “الحرة” الأميركية برنامجاً موثقاً عن الفساد المالي في الوقف السُّني والوقف الشِّيعي، وما يتعلق بالعتبتين العباسية والحُسينية، وقد واجه هذا البرنامج ردودا غاضبة من القوى الدينية العراقية، ما أدى إلى غلق القناة لثلاثة شهور، وهرعت مواقع التواصل الاجتماعي لتهديد كادر القناة وتوعده، على أن الذين قاموا بالتحضير للبرنامج هم من العراقيين. مِن جانب آخر، قام أحد رجال الدِّين، الذي يدعو دائماً إلى الحكم المدني وهو يعيش داخل العراق، السيد رحيم أبورغيف بنشر تدوينة يطلب فيها مِن القوى الدينية مناقشة ما ورد في البرنامج، فلغة المنع والتهديد مخالفة لما ورد في القرآن الكريم وتعاليم الأئمة، أي مقارعة الحجة بالحجة، وفق تصوره. غير أن الحشد الشعبي أخذ يُهدد بتثوير الشارع ضد “الحرة” وبالتالي ضد الأميركان، وأن دولة القانون في البرلمان العراقي، وهي برئاسة أمين عام حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي كشفت عن موقفها ضد “الحرة”، وأن هيئة الإعلام العراقية علقت عمل مكاتب قناة “الحرة” لثلاثة شهور، وطلبت اعتذاراً رسمياً، على اعتبار أن ذلك مساس بالمرجعية الدينية. وعلى كل حال، إن الذين ثاروا ضد “الحرة” وتقريرها هم من القوى المحسوبة على إيران قلباً وقالباً، أما “الحرة” فقد أصدرت بيانا جاء فيه “أنتجت قناة الحرة عبر برنامج ‘الحرة تتحرى’ تحقيقا استقصائيا مهنيا ومتوازنا حول شبهات فساد في بعض المؤسسات في العراق”. وأضافت أنه طوال فترة إعداد التحقيق أعطى فريق العمل للأشخاص والمؤسسات المعنية الفرصة للرد لكنهم رفضوا ذلك، وتؤكد إدارة القناة أن الباب لا يزال مفتوحا للرد على مضمون التحقيق، وأنها تلتزم بالثوابت المهنية. مِن المؤكد أن قناة “الحرة” في حلقة من حلقات برنامجها “الحرة تتحرى”، أوردت عنوانا لافتا للنظر، ويؤكد على جوهر التقرير تمامًا “أقانيم الفاسد المقدس في العراق”، وربَّما أثار القوى الدينية كافة العنوان قبل التقرير، قام بإعداد التقرير الصحافي العراقي معن الجيزاني. قُسم البرنامج إلى قسمين الأول عن الوقف السُّني ورئيسه عبداللطيف الهميم، وورد في التقرير أنه استغل منصبه وسلم أحد أولاده مقاولات لمشاريع خاصة بالوقف، وقد ضمن البرنامج مقطع للهميم يدعو للرئيس صدام حسين خلال حكم الأخير، وأكد أن تعيين الهميم في هذا المنصب بدفع إيراني. أما القسم الآخر فيتعلق بالوقف الشيعي والعتبة الحسنية والعباسية، وهذا له صلة مباشرة بالمرجعية الدينية، فهي التي لها اليد الطولى بتعيين رئيس الوقف الشيعي، أما الصافي والكربلائي رئيسا العتبتين فهما الناطقان باسمها. ليس أهم لدى المرجعيات الدينية من المال، وكيف لها أن يتحول هذا المال من حرام إلى حلال، من خلال دفع الخمس، أو تسليم المال إلى المرجع الديني، وربَّما عُبر عنه باللقطة، أو مثلما عُرف فقهياً بالمال الذي لا مالك له، وتلك قصة طويلة، لها علاقة بما حصل في العراق من الفساد المالي، على أن الدولة ليست شرعية، وكل دولة لدى المرجعية الدينية غير شرعية، ولا شرعية إلا لدولة يقودها الإمام الشرعي وهو المهدي المنتظر، وربَّما بإيران أخذ الولي الفقيه تلك المكانة، لأنه أصبح سياسياً بنائب الإمام الغائب. تجد المرجعيات الدينية، والقوى الدينية عموماً، ذات الصوت الأعلى ضد الفساد، وكل خُطب المساجد التابعة للوقفين السُّني والشِّيعي، في أيام الجُمع، لا تكل من التذكير بحماية المال العام، والتمييز بين الحلال والحرام، لكن عندما تُكشف أوراقها، تظهر هنا القدسية، وبالحصيلة فإن المرجعيات الدينية تلبس ثياب المعصومية التي ألبستها قديماً للأئمة مِن آل البيت. لذلك اعتبر الفقهاء أنفسهم ورثة الأنبياء في العلم والسلوك، بمعنى تحليهم بالمعصومية، وهنا نُذكر بمقالة “لحوم العلماء مسمومة”، وهي مقالة يبرزها رجال الدين عندما يتعرضون للنقد من خارجها، وهذا يعطي المصداقية لقولهم بمعصوميتهم، بينما الفساد الذي عرضه تقرير قناة “الحرة” كان واضحاً، وبالأدلة، وكان العراقيون يتحدثون به صباحا مساء، لكن مَن يقبل تلك الأدلة، بل مَن يقبل التحقيق فيها من الأساس؟ ليس أهم لدى المرجعيات الدينية من المال، وكيف لها أن يتحول هذا المال من حرام إلى حلال، من خلال دفع الخمس، أو تسليم المال إلى المرجع الديني

مشاركة :