القطان: أكل المال الحرام والبخل وعدم الإنفاق في سبيل الخير موانع لبركة الرزق

  • 3/11/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن أكل المال الحرام والبخل والشح، وعدم الإنفاق في سبيل الخير، من موانع البركة في الرزق، داعياً إلى الابتعاد عن الربا. القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (10 مارس/ آذار 2017)، تحدث عن البركة وأسباب حرمانها وكيفية تحصيلها. وقال: «من الظواهر التي يلحظها أغلب الناس اليوم، وتتفق فيها كلمة أكثرهم حتى لا يكاد يختلف فيها اثنان، قلّة البركة في الأموال والأولاد والصحة والأعمار، وعدم الانتفاع بالأرزاق والأبناء، حتى أن الرجل ليكون مرتّبه عالياً ودخله جيداً وأبناؤه عُصْبَة من الرجال الأقوياء الأشداء، ثم تراه يقترض ويستدين، ويعيش في بيته وحيداً أو مع زوجه العجوز، لا أحد من أبنائه يحدب ويعطف عليه، أو حتى يلتفت إليه. ولربما دخل كثير من الناس السوق وجيبه مليء بالمال، فلا يخرج إلا وهو صفر اليدين أو قد تحمَّل شيئاً من الدَّين، وعندما ينظر فيما أتى به من أغراض وحاجات لأهله لا يجد إلا أشياء كمالية صغيرة، يحملها بين يديه بلا عناء، ولا تساوي ما أنفق فيها من مال»، مشيراً إلى أن «هذا الأمر ليس قضية عارضة أو مسألة هينة، بل هو في الواقع يشكل ظاهرة ملموسة وقضية محسوسة، ويعد منحنىً خطيراً في حياة المجتمع المسلم، يجب على كل فرد أن يدرسه ويتعرف على أسبابه، ويبحث عن حله الناجح وعلاجه الناجع، فيأخذ به ويقي نفسه، لعل الله أن ينجيه مما ابتلي به غيره من الناس، أو مما قد يكون هو نفسه مبتلى به». وشدد على «أننا يجب أن نوثق علاقتنا بهذا الدين العظيم، الذي ندين الله عز وجل به في كل أمورنا، يجب أن نرتبط به في جميع مناحي حياتنا، وأن ندرس تحت مظلته قضايانا، ونحل به مشكلاتنا، وأن نعلم أننا مهما تمسكنا به وعضضنا عليه بالنواجِذ فلن نضل ولن نشقى بتوفيق الله، وأننا بقدر ما نبتعد عنه أو ننحرف عن صراطه المستقيم أو نتخلّى عن تعاليمه السمحة المباركة أو نتهاون بها فإننا نهوي إلى مكان مُوحِش سَحِيق، ونلقي بأنفسنا في مجاهل من المستقبل المتردّي الذي لا يعلم ما يكون عليه إلا الله». وأضاف «رأينا الناس في الماضي القريب بل القريب جداً، عندما كان قدر دينهم في قلوبهم أقوى وأعلى، ومكانته في نفوسهم أمكن وأسمى، إذ ذاك كانت أرزاقهم سهلة ميسورة، والخيرات والبركات بينهم منشورة، كان راتب أحدهم قليلاً ومعاشه ضئيلاً، ولكنه كان يسد حاجته ويمنعه الفاقة، ويكفيه ذل سؤال الناس واستجدائهم، بل كان يوفر منه ويدّخر شيئاً كثيراً، يجده عند الشدائد والملمات، وينفعه الله به عند المضائق والكربات، ثم مازالت الرواتب تزداد والبركة تقل والمعاشات ترتفع ومستوى المعيشة ينخفض، في ظل هذه الحضارة المادية البحتة التي ازداد الناس فيها علماً بظاهر الحياة الدنيا، وأصبحوا عن الآخرة هم غافلون، فقلّت البركة فيهم ونُزِعت من أموالهم، حتى أصبح الذي بالأمس تكفيه مئة دينار في شهره ينفق الآن ثلاثمئة دينار أو أكثر في أسبوع أو أسبوعين، ثم يظل بقية شهره لا يجد شيئاً، مما يضطره للاستدانة من الآخرين أو سؤالهم، وكلاهما أمران أحلاهما مُرّ عَلْقَم». وأكد القطان أنه «لا بد أن نتأمل في أحوالنا، ونراجع أنفسنا، وأن نعود إلى ديننا، ونتوب إلى ربنا، لعله سبحانه أن يرحمنا رحمة من عنده واسعة، يغنينا بها عن رحمة من سواه. وإنه لا بد مع ذلك أن نتعرف على الأسباب التي بها نُزِعت البركات وقلّت الخيرات، حتى نعالجها ونتخلص منها». وأوضح أن من أسباب نزع البركة وأهمها وأقواها «ضعف الإيمان في النفوس وانعدام التقوى في كثير من القلوب، حتى عاد كثير من المسلمين لا يرجون لله وَقَاراً، فعصوه ليلاً ونهاراً، وخالفوا أمره سراً وجهاراً، واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً». وأضاف «لقد أصبح كثير من الناس اليوم، لا يقيمون لأوامر الدّين ونواهيه وزناً، ولا يعطونها اهتماماً ولا قدراً، بل لقد أصبح بعضهم لا يلقي لها بالاً بالكلية، إذ تأتي عنده في المرتبة الأخيرة من اهتماماته، وتجيء في مؤخرة أولوياته». وذكر أن «من أسباب قلة البركات ونزعها تعلق جمهور من الناس بالمال والدنيا، وغفلتهم عن المآل والأخرى، حتى لقد أصبح كثير منهم يوالي في المال ويعادي فيه، ويحب له ويبغض من أجله، ويرضى إن أعطي ويسخط إن منع، وإلا فقولوا لي بربكم: ما شأن هذه المنازعات التي أقضّت مضاجع القضاة؟! وما سبب تلك المرافعات التي شغلت المحاكم؟! وما نهاية تلك القضايا المستغلقة المتعسّرة التي مضى عليها عشرات السنين؟! ولِمَ يتهاجر إخوان ويتقاطع أرحام وجيران، ويتعادى أبناء وطن واحد؟! وعلى أي شيء تنقضي أعمار كثير من الناس؟! أعلى ما يرضي الله وفي طاعة الله، أم إنه في سبيل الشيطان وإغراق في المعصية، وتفريق بين الأخ وأخيه، وابن العم وقريبه؟!». وتساءل: «من أين ننتظر حلول البركة في أموالنا وأرزاقنا ونحن قد جعلنا هذا المال هدفنا ومُبْتَغَانا؟! من أين ننتظر البركة ونحن قد أصبحنا عبيداً للمال خدماً لسلطانه؟! من أين تأتينا البركة، وقد أصبح المال محركنا وهو الذي يسكننا، وهو الذي يرضينا ويسخطنا؟! من أين تأتي البركة وصاحب الفضل يبخل بفضله، والغني يمنع خيره ولا يمنح رِفْدَه؟! يا لها من تعاسة ما أشدها على الأفراد والمجتمعات! ويا لها من انتكاسة ما أقوى أثرها على القلوب والنفوس!». وأردف قائلاً: «أي تعاسة أكبر وأشد وأبلغ من تعاسة إخوة أشقاء لا يسلّم أحدهم على الآخر، ولا يرى له عليه حقًّاً؟! وأي انتكاسة أقوى وأعظم وأطم من انتكاسة جارين مسلمين وقد يكونان ذوي رحم واحدة، ثم لا يرعى أحدهما للآخر حرمة، ولا يقوم له بواجب؟! إنها والله لمصيبة وأي مصيبة، أن يكون ذلك من أجل الدنيا وطمعاً في نيل أكبر قدر منها، ثم لا يحصل العبد منها إلا ما كتب له بعد أن يكون قد اكتسب الآثام والذنوب العظام، واجترح السيئات، وارتكب الموبقات، وأذهب بركة رزقه، وفقد طعم ماله، وضيّع وقته وعمره وأفسد مآله». وقال القطان: «إن من أسباب عدم البركة البخل والشح، وعدم الإنفاق في سبل الخير وأوجه البر»، متسائلاً: «كيف يبغي البركة بخيل ممسك تدعو عليه ملائكة الرحمن بالتلف؟! وكيف ينتظر البركة شحيح حريص لا يفعل خيراً ولا يدعى له بخير؟! ألا فلا نامت عين كل هَلُوع مَنُوع، جَمّاع للمال مَنّاع للخير، يحسب أن بركة المال في وفرته، وما علم أن بركته في الانتفاع به، وهو ما لم يذقه هو ومن على شاكلته». وزاد في ذكر أسباب عدم البركة، ومنها «أكل المال الحرام وتناوله، والاستهانة بذلك أخذاً وعطاءً، وقد كثر في هذا الزمان ذلك المنكر العظيم، واتسع فيه الخرق على الراقع، في معاملات الناس فيما بينهم، وفي التخوض في أموال إخوانهم العامة بغير حق، فكم من الناس من يتعامل بالربا الذي لا مرية في حرمته، وكم من الموظفين والعمال من يأخذ الأجر ولا يقوم بالعمل كما ينبغي، وكم من الناس من يتلاعب بأموال المسلمين ومقدراتهم، سواء بأخذ الرشوة جهاراً نهاراً، أو الاقتطاع من مستحقات المشروعات والمرافق العامة، أو بأخذ ما لا يستحقه من انتدابات أو سفرات أو زيادات أو علاوات أو أراض ومنح وامتيازات في الدوائر والمجالس والمؤسسات»، متسائلاً: «أفلا يكون ذلك سبباً في نزع البركات وقلة الخيرات، والتي من أبرز معالمها الواضحة عدم استجابة الدعاء؟!». وخلص إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، إلى أن «البركة يمنحها ويسلبها المولى جل وعلا، إن العبرة يا عبد الله ليست بما تملك من مقومات المادة، وليست العبرة بما تملك من طاقات وقُدرات إذا سلبت البركة من كل ذلك، بل إن القليل من المادة والقليل من الطاقات مع بركة الله، تفعل الأعاجيب، فأنت قد تُعطى الملايين، لكن تنزع منها البركة فتجد شقاءها في الدنيا قبل الآخرة، تملك الملايين، لكن لا تتمتع بها لأن البركة منزوعة منها، وقد لا يكون معك إلا راتبك الذي لا يوصلك لآخر الشهر، لكن يبارك الله في هذا القليل فتعيش الحياة الهنيئة السعيدة أنت وأهلك وأولادك».

مشاركة :