يقول أبو تمام: السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجدِّ واللعب ونقول: (الحرب) أصدق إنباء من الكتب في حدها الحد بين الجدِّ واللعب فبعد الاعتذار لأبي تمام، ليعذرني أيضا الأصدقاء من أهل صنعة الشعر إن كنت اقتحمت عليهم صنعتهم، وليصححوا لي ويقيلوا عثرتي إن كنت كسرت سليما من إيقاعاتهم الشعرية، لكنّ بيت أبي تمام هذا يحاصرني كلما تأملت حال بعضهم، بين أقوال الأمس، وأفعال اليوم، بين وعود الأصدقاء في الماضي، وتنصلهم من بلادنا في حاضرها المشتعل حربا نخوضها دفاعا عن وطننا وأمتنا وعقيدتنا. لقد محّصت الحرب الرجال، وكشفت مودة بعضهم التي ما زال يبديها لنا حتى صَدّقنا ووثقنا، ثم عند أول محك وأهم محك في الوقت ذاته، تبخرت، وأصبحت كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً. لا أعرف كيف أخطأ بعض الأصدقاء هذا الخطأ الكبير، كيف وضعوا بلادنا وأخوتنا وصداقتنا المخلصة في كفة، وبعض المصالح الزائلة في كفة، ثم رجحوا كفة مصالحهم، وذهبوا يخوضون ويتفاوضون على تحالفات إقليمية مشبوهة، نثق بأنها لن تدوم لهم ولن تصفو لهم، فالعقارب لا تصفو لأحد مشاربها. وعلى قدر الصدمة في بعضهم من تنكره للمملكة وتذرعه بحجج واهية مكشوفة للتهرب من التزام هو في المقام الأول التزام أخلاقي يطعن في مروءة من يتهرب منه، بالوقوف إلى جانب بلادنا في معركة عادلة، لم نخضها عدوانا على أحد، بل دفاعا عن الجميع، بما فيهم المتنصل نفسه، فخطر الأطماع الإيرانية أبعد مما يتصوره هؤلاء، خطر إيران غير مستثنى منه إيران نفسها، الدولة التي تضع نفسها ومقدراتها ومواطنيها في مهب حرب عالمية غير مستبعدة إن لم يتوقف ملاليها ومتطرفوها عن جنونهم وأوهامهم التي أهلكت جميع الغابرين ممن هم على شاكلتهم غرورا وكبرا وجنونَ عظمة. ولا تطاوعني نفسي أن أقول إننا خسرنا من كنا نعدهم بالأمس أصدقاء، بعدما تنكروا لنا، وتعذر كل منهم بسبب مكشوف لكيلا يتحمل معنا شيئا من تبعات هذه الحرب وأوزارها، فثَم وجه آخر لحقيقة مواقف هؤلاء، أن وجوههم الحقيقية تكشفت لبلادنا، بعدما قدموا لنا الدليل على أنهم لم يكونوا يوما أصدقاء. وما من شك في أنهم اليوم عندنا صفحة انطوت، ويوم نعود إليها لأي سبب من الأسباب، فستكون قراءتنا لها مختلفة عن ذي قبل بكل تأكيد، لكن الأهم من هؤلاء هم الأشقاء الحقيقيون، والأصدقاء المخلصون، الذين كانوا على قدر ثقتنا بهم، بل ربما كان بعضهم فوق ما توقعنا وحسبنا، وأبدى الاستعداد لخوض حرب وجود معنا ببذل الأرواح فداء لبلاد الحرمين ودفاعا عن السنة وأهلها، فأعلن بعضهم استعداده فوق الضربات الجوية وتحريك السفن الحربية، استعدادهم لخوض معركة برية بالرجال. وما كان هذا كله ليذهب هباء في موازين بلادنا التي أسسها الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على الوفاء والمروءة والفزعة للشقيق والصديق، ولا سيما إذا كان من طراز مثل هؤلاء الأشقاء الذين يقفون معنا اليوم في الميدان، في وقت يذهب فيه آخرون لتوقيع الصفقات والاتفاقات في طهران.
مشاركة :