عابر حياة - كنتُ سعيدة!

  • 10/20/2013
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

بعد الفيلمين «قبل الشروق» و «قبل الغروب» بأسئلتهما الوجودية والتأملية، ظهرت النسخة الثالثة في صيف 2013 بعنوان: «قبل منتصف الليل»، فكان الفيلم الحديث أكثر اتصالاً بالواقع المعاش بعد زواج البطلين ومجيء الأطفال، إذ تروي إحدى الشخصيات الثانوية في الفيلم وصية مكونة من 26 صفحة تركتها جدتها الخياطة، احتلت ثلاث صفحات منها تفاصيل حياكتها لملابس إحدى المسرحيات. أمّا زوجها وهو الجد، فلم يشغل ذكره أطول من فقرة واحدة بثلاث عبارات: «ذهب إلى الحرب، فانتقل إلى مقر عمله، ثم مات». لتختم وصيتها بحكمة خرجت بها من الدنيا، تقول: «إن أكثر ما جلب لها السعادة، وكان سبباً حقيقياً في رضاها هما العمل والصداقة». ودعت الجميع ألاّ تستهلكه فكرة الحب الرومانسي أكثر مما ينبغي، وهو رأي واقعي ومجرّب، ومعظمنا سعد بإنجازاته وبانعكاساتها على اعتزازه بذاته أكثر من خيالية الحب ومزاجية الحبيب. يعتقد الكاتب اليوناني في الفيلم، والذي استضاف في بيته الزوجين أو بطلي «الحدوتة»، أن الحب بالمعنى الشامل للحياة أغنى من الحب الفردي المحاصر، أمّا سرّ سعادته مع زوجته الراحلة فكان في اعتماد كل منهما على نفسه، فلم يكونا شخصاً واحداً كما فكرة الحب الوردية السائدة، بل شخصين مستقلين يلتقيان في الوسط مع أشيائهما المشتركة، وهي سياسة رائعة لا تلزم الشريكين باستنزاف أحدهما الآخر، أو التلاشي تحت جناح الأقوى أو المسيطر في العلاقة، كما لا تستوجب التضحية بسعادة أحد الزوجين، أو رغباته المكبوتة لأجل خاطر عيون الطرف الآخر، لأنها على قدر ما تبدو خطة عملية في تسيير المركب، على قدر ما تكون كالقنبلة الموقوتة، وسيتلاشى وقتها لتنفجر في وجه الطرف الأناني. ويا ليت امرأتنا العربية تفهم هذه التوليفة لكانت اتبعتها في مشوارها، وحدّت من خسارتها وارتاحت بعض الشيء! فليس صحياً أن يشغل الرجل كل تفكيرها وحياتها، بل جزءاً معيناً في خريطة عقلها، فلا تسمح له بالتمدد خارجه على حساب بقية مناطق عوالمها، وإلاّ ستنتهي في مدن بالاسم نفسه لرجل واحد، عوضاً عن مدن للطفل وللعمل وللبيت وللدراسة وللهواية وللصداقة والتأمل المرح و..و..! سيدتي أنت وما تعوديه! وليس أمامه من خيار سوى أن يقتنع ويلزم أسوار مدينته، وإلاّ فهو المهدد بالنفي خارجها. أجمل ما خُتم به الفيلم تلك الرسالة المتخيلة التي خطتها البطلة وهي في الـ80، أي بعد 40 عاماً من لحظتها. وبحكم آلة الزمن التي في حوزة البطل، استطاع الحصول على رسالتها وفضها وقراءتها أمامها، وهو محض خيال أبدع الكاتب في توظيفه. فيمسك الزوج بمنديل طاولة المطعم المفتوح على الواجهة البحرية لليونان، ويحاول قراءة المنديل كأنه «المسج» الآتية من المستقبل البعيد. وجاء فيها «أن أجمل ليلة عاشتها كاتبتها كانت هذه الليلة في اليونان تحديداً». فماذا تفهم؟ أية ليلة وإن بدت كأنها انتزعت من كتاب مملّ مقطّر بالنكد، فبالإمكان تحويلها مع سبق الإصرار إلى أجمل الليالي. وإليك التجربة! فانزع نفسك من محيطك، وأغمض عينيك وتخيلّ أنك بعد 50 عاماً من لحظتك تسترجع هذا اليوم، فكيف تصفه؟ أحسن يوم! أعذب يوم! أسوأ يوم! أضيع يوم! اختر ما شئت واعمل عليه. وإليك آلة الزمن فطر بها، ووثق تاريخ يومك. تتساءل الكاتبة الإنكليزية ماري آستيل قبل 300 عام فتقول: «إن ولد كل الرجال أحراراً، فكيف استعبدت النساء وكيف ولدن عبيداً؟». والعبرة المستخلصة أن على المرأة تحرير نفسها بنفسها سواء من أفكارها المستهلكة، أو من طرقها وأساليبها البالية، فلا تجّتر، ولكن تغربل وتمحّص وتبدأ بفردها قبل مجتمعها، فلا تنتظر من الرجل المشغول بهمه وأسره أن يفعل، كما لا تحمله مسؤولية تعاستها وتذمرها المزمن، فمن يهن يسهل الهوان عليه، وعلى المتضرر أن يبادر ويغير، فإن كان الرجل هو المنتفع من وضعك المتخاذل، فلمَ عليه تعديل النتيجة برأيك؟ طيري عمراً بآلتك، ولكن قرّري قبل ذلك كيف سيكون حاضرك، حتى إذا كتبتِ عنه قلتِ: كنت سعيدة!   suraya@alhayat.com

مشاركة :