تناقلت وكالات الأخبار العالمية والمؤسسات الإعلامية والصحافة العالمية ووسائط التواصل الاجتماعي حديثاً خبراً مفجعاً مخزياً عنوانه «رئة العالم تختنق...»، العنوان يفيد ويحذر وينذر بأن العالم، أي الحياة على الكرة الأرضية، في أفول وخطر، وأنه على مهب ريح الفناء، وأن مصير العالم قد أصبح في كف عفريت، بينما بعض الدول، كبراها قبل صغراها، في شغل شاغل عن هذه الكارثة المحدقة بمصير الحياة على الكرة الأرضية، وهذا يعني أن الطبيعة بكامل جلالها وعظمتها قد تنكر الانسان لها بأن تخلى عنها وكفر بنعمتها... وحيثيات الخبر هي أن غابات الأمازون تحترق، وكيف أن غيوماً سوداء تغطي سماء عاصمة البرازيل رغم أنها تبعد ألوف الكيلومترات عن حرائق الغابة، و هذه الغابات تمد شريان الحياة على الأرض بأكثر من 20% من الاوكسجين، وفي مواجهة هذه الكارثية البيئية ارتفعت نداءات تدعو إلى الصلاة من أجل الامازون (أي الصلاة من أجل استمرار الحياة على الأرض). وعبر بالريشة فنان، كانت مشاعره تحترق جزعاً وخوفاً على مصير الحيوانات البريئة، فرسم لوحة ناطقة، كيف تلتهم النيران فيها حيواناً يصرخ من الالم يحمل حيواناً ميتاً، إذ أبت على مروءة الحيوان إلاّ أن ينقذ من الاحتراق جسد موتاه ويحمله معه خارج جهنم الانسان على الارض، فالانسان هو الوحيد بين الكائنات الحية الذي تجاسر ومازال يتجاسر، علماً وجهلاً، على اختراق حرمات الطبيعة عند النيل من طهارة البيئة. فالبيئة تئن تحت وطأة أقدام الانسان وأفعاله المشينة ضد البيئة. الغابات هي الرئة التي نتنفس منها وبها، فهي التي تمد الحياة بالاوكسجين، ولكن الانسان عبر سنين لا تتعدى المائتي سنة قد محى من سطح الارض مساحات شاسعة من الغابات، والانسان لوث مساحات من الارض لم تعد صالحة للزرع، ولوث الجو بالانبعاثات الغازية والحرارية فصارت الامطار تنزل علينا ملوثة من لوثة الجو، فنتج عنه كذلك احتباس حراري زاد من درجة حرارة الجو حول الارض فتهاوت جبال من الثلوج في القطبين، الشمالي والجنوبي، وهذه الجبال من الثلوج هي التي تغذي الانهار بماء الحياة، فالانبعاثات الحرارية والغازية قد لوثت مياه الامطار وقللت من مياه الانهار، وهذا الاحتباس الحراري - الغازي الملعون، الذي صنعه الانسان لعنة على مصير الانسان، قد امتد تاثيره لينال طبقة الاوزون التي تحمي الحياة على سطح الكرة الارضية ضد الاشعاعات الكونية القاتلة، فلولا طبقة الاوزون لما كان على الارض حياة... طبقة الأوزون تبعد عن سطح الارض مسافة تتراوح بين 15 و35 كيلومترا... فيا لعظمة الانسان؟!!! البيئة هي الوسط الذي تعيش الطبيعة في أجوائه، الإنسان نبتة في الطبيعة مثل بقية الحيوانات والأشجار والنباتات، هذه البيئة هي الهواء والماء والتربة وسقف الأوزون، فإذا صلحت هذه المكونات في البيئة سلمت الطبيعة وسلم معها الانسان وبقية الكائنات من حيوان ونبات، والإنسان، بكامل جلاله ومفخرة ذكائه وعبقريته وطموحه وجشعه، وبقية الكائنات عند الطبيعة سواء. الإنسان هو الكائن الوحيد في الحياة الذي يؤثر في الطبيعة، عبر وسيط البيئة، إن خيراً أو شراً، وهذا الانسان يمتلك إمكانيات إبداعية متنامية، شبه متناهية، تستطيع أن تحول الصحراء غابة والغابة صحراء، وتحول مياه البحر إلى مجاري مياه عذبة أقرب إلى النهر، هذه الإمكانيات العظيمة هي لا شك بفضل القدرة العقلية التي خلقت بنية علمية حية متطورة ومتنامية تتفرع إلى أنماط مختلفة متعددة من علوم أخرى، والعلم كشجرة شبه خالدة تزداد فروعها يوماً بعد يوم. إلاّ أن الإنسان، بهذه القدرات والامكانبات العظيمة يأخذ منحى الشر تجاه الطبيعة، وبالنتيجة وعلى المدى البعيد فإن هذا المسلك السلبي تجاه الطبيعة سينعكس شراً على الانسان نفسه، والأدهى والأمر هو أن الانسان يعلم علم اليقين أنّه السبب في تدهور صحة الطبيعة لأنه لوث ومصر على تلويث الغذاء البيئي لها (للطبيعة)... ورغم أن البيئة في تلوث متزايد والطبيعة يتفاقم مرضها يوماً بعد يوم، إلاّ أن جمبع العلماء الأحرار، البعيدين عن منزلقات السياسة (السلطة) والمال (الجاه)، وبتأييد من بقية المفكرين من فلاسفة وأدباء، يؤكدون أن الانسان بهذا المستوى العلمي الذي تحقق عبر ألوف السنين قادر على أن يصحح المسار ويطهر البيئة من التلوث ويعالج البيئة ضد المرض... ولكن وللأسف الشديد فقد حالت الذاتية المفرطة، التي تولد الجشع، عند بعض الناس (خاصة أصحاب القرار) من مراعاة صحة البيئة والمحافظة على سلامة الطبيعة، والجشع ضرب من الحماقة، وليس هناك من يضر نفسه ويضر اخوته البشر معه أكثر من الانسان الاحمق... فهذا السلوك المؤذي للبيئة والطبيعة والمضر بمصير الانسان هو سلوك أحمق بامتياز، وهذه الحماقة، مع الأسف كذلك، تملك سلطة القرار الاجرامي في حق الحياة دون حياء ولا خجل، والاكثر خزياً هو غياب القدرة على ردع هذه الحماقة..
مشاركة :