د. جمعة سعيد الصواية النعيمي * يجب اعتماد التمكين الوظيفي عند تصميم منظومة التخطيط الاستراتيجي المؤسسي، وذلك من خلال إشراك الموظفين في عملية اتخاذ القرار بما أن الموظف يعد أحد أعضاء المؤسسة.اكتسب مصطلح الاستراتيجية أو التخطيط الاستراتيجي منذ ستينات القرن الماضي رواجاً واهتماماً واسعين في مؤسسات القطاعين العام والخاص بالرغم من كونه في الأصل يعود للعسكر؛ فبالنسبة لأي عسكري، يكمن الفهم العام للاستراتيجية في كونها مجموعة الأفعال المؤدية لتحقيق الأهداف. كما أضحت الاستراتيجية كذلك محط اهتمام الأكاديميين والجامعات من خلال تضمينها في مناهج وبرامج الدراسات العليا؛ فنادراً ما نجد هذا الموضوع غائباً عن المناهج الدراسية الخاصة بعلم الإدارة على وجه الخصوص.إلا أن البعض وللأسف لا يميل تجاه هذا الاعتقاد مبرراً بالقول إن ذلك يشكل مضيعة للوقت واستنزافاً للجهد، بل مصرفاً للموظفين عن القيام بالأعمال الضرورية ومسؤوليات المؤسسة، بالإضافة إلى تبريرات أخرى لا يوجد لها ذكر في سياق المنطق والعقل. فعادة ما نسمع من هؤلاء: «ها هي مؤسساتنا تعمل لسنوات طوال، وقد حققنا نجاحات وإنجازات كثيرة ولم نعتمد على تخطيط استراتيجي». والسؤال؛ بما أنه لا توجد حاجة ملحة للتخطيط الاستراتيجي، فما هو الحل إذاً؟ فالحكمة تقول إما أن تمضي المؤسسة وفقاً لاستراتيجيات وخطط واضحة لتحقيق أهدافها أم أنها تمشي في نفق مظلم ولا تدري عندها متى ستبصر النور. أما النجاح الذين تتحدثون عنه، فلا يحسب كذلك لكونه لا يعتمد على أهداف واضحة وبالتالي لا تحكمه معايير ومقاييس ثابتة، وما هو سوى نتاج للصدفة أو «البركة» إذا صح التعبير.وفي هذا السياق، قد يطرح القارئ تساؤلاً منطقياً؛ يا ترى من هو المسؤول عن إقرار وتنفيذ استراتيجية المؤسسة؟بما أننا سلمنا بأنه لا مناص من تبني منظومة تخطيط استراتيجي في المؤسسة تدفع بها تجاه تحقيق أهدافها، إلا أن المسؤولية وبالدرجة الأولى تنعت للمستوى الاستراتيجي بالمؤسسة، والذي يعنى باستشراف المستقبل، وبالتالي إقرار عناصر التخطيط الاستراتيجي لديها، الرؤية والرسالة والأهداف الاستراتيجية.إنه لمن المضحك المبكي أن نرى في كثير من الأحيان قيام بعض هؤلاء القادة بإلقاء الجزء الأكبر من المسؤولية على مرؤوسيهم، معتقدين وبشكل لا يجانب الصواب بأن واجبهم كمسؤولين استراتيجيين يقتصر على الاعتماد والمصادقة على الاستراتيجية المؤسسية التي أعدها لهم هؤلاء المرؤوسون. فأحياناً نسمع من رأس الهرم في المؤسسة عبارات مثل: «يتميز مدير إدارة الاستراتيجية لدينا بذكاء ومهنية عالية، حيث نعتمد عليه في إعداد الخطة الاستراتيجية». وأحياناً نسمع من آخر يقول: «ليس لدي متسع من الوقت لتصميم الاستراتيجية، لأني أهتم بشؤون مؤسسية أخرى أكثر أهمية». وآخر يتجنب الخوض في هذا الموضوع، فيكتفي بالقول بأن «الأمور طيبة»، وهكذا... ونلاحظ هنا بأن القاسم المشترك الذي يحكم هذه العبارات السابقة هو نأي هؤلاء المسؤولين بأنفسهم بعيداً عن إحدى أهم مهامهم التي وجدو من أجلها في مؤسساتهم.وعليه، الرد على الأول بأنه هو الذي يقوم على أمر المؤسسة، وبالتالي هو أفضل من يقيس كفاءتها وسرعتها في تحقيق أهدافها، والأقرب للمستوى الأعلى لفهم قصده والتوجيهات العامة وطلب منه الموارد لتحقيق النجاح، فلا يمكن أن يتسنى كل ذلك لمدير الاستراتيجية في المؤسسة مهما كان ذكياً وفطناً. وللثاني أن يعلم بأنه عليه إعادة ترتيب أولوياته وأسبقياته في المؤسسة بشكل صحيح، وعندها سيدرك بأن مؤسسته لم توجد عبثاً، بل لتحقيق أهداف ولن يتسنى له ذلك إلا بآلية وإجراءات منظمة ومدروسة على رأسها التخطيط الاستراتيجي.أما الثالث فإنه لو أعطى نفسه برهة للتفكير فيما يجري، فسيدرك تماماً بأنه لم يعد لمصطلح «الأمور طيبة» مكان في المؤسسات الطموحة التي تسعى للتنافسية وتسابق الزمن من أجل تحقيق النجاح.من الضرورة بمكان اعتماد التمكين الوظيفي عند تصميم منظومة التخطيط الاستراتيجي المؤسسي، وذلك من خلال إشراك الموظفين في عملية اتخاذ القرار بما أن الموظف يعد أحد أعضاء المؤسسة. وحتماً لا نقصد هنا بأن يتساوى دور الموظف المرؤوس بدور الموظف الأعلى أو المخطط، ولكن بما أن الأول معني بالتنفيذ، فمن المنطقي أن يتم أخذ رأيه وعلى أقل تقدير في مدى قابلية تنفيذ الاستراتيجية المؤسسية، بحكم تواجده في الميدان وعلى مقربة ممن تقدم لهم مؤسسته الخدمة.تجدر الإشارة هنا إلى أن إغفال آراء الموظفين عند التخطيط لمستقبل المؤسسة يعد خطأ جسيماً، فمن غير المعقول ألا يوجد بينهم ذوو المعرفة والخبرة والذكاء والتي قد لا توجد لدى بعض مسؤوليهم. ولا ننسى في هذا المقام البطل العربي المصري المقدم فايق زكي يوسف أثناء التخطيط لحرب أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1973. فبالرغم من صغر رتبته مقارنة بكبار ضباط القوات المسلحة المصرية الباسلة، إلا أن فكرته الرائعة باستخدام مضخات مائية ذات ضغط عال نجحت في فتح ثغرات بالساتر الترابي العصي بخط بارليف على الضفة الشرقية لقناة السويس ضد الجيش «الإسرائيلي»، والذي أقامته «إسرائيل» بعد نكسة الجيوش العربية عام 1967.الرسالة والنصح للمعنيين ومتخذي القرار في المؤسسات بضرورة إيلاء موضوع التخطيط الاستراتيجي اهتماماً بالغاً واعتباره إحدى أهم أولوياتهم، حيث إنه السبيل الأمثل والذي يحكم استغلال الموارد والقدرات المتوفرة بالمؤسسة وخاصة البشرية أفضل استغلال لتحقيق الأهداف المنشودة. ولهم أن يخططوا ليحققوا أهدافهم المؤسسية، أو يتخبطوا ويراوحوا مكانهم. * مدير مركز الريادة لدراسات الأبحاث والإدارة
مشاركة :