ما غرّك بربّك الكريم؟

  • 9/5/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ما أشدّ حاجة المسلم إلى أن يتعرّف على مزالق الغرور التي يُوقعُ فيها الشيطان ابن آدم، ويُلهيه بذلك عن أن يشكر الله تعالى، ويحسن عبادته، ويبوء له بنعمته عليه، فإن استحضار هذه المزالق مُعينٌ على تجنُّبها، وهذه الحبائل من الكثرة بمكان؛ إذ الشيطان عدوٌّ خبيثٌ ناصَبَ أبا البشرية وذريته العداء منذ أمره الله بالسجود لآدم، فاستكبر وكفر، وما زالت مكايده تتكاثر وتتنوع خلق الله عباده، وأنعم عليهم بنعم لا يعلمها إلا هو، وكلّفهم بطاعات ميسورة لا يؤودهم القيام بها في الجملة، والناس حيال هذا بين مطيعٍ لله تعالى على تفاوت درجات المطيعين، ومُقصّرٍ غرّه الشيطان بربه، وقد وبّخ الله ابن آدم على هذا الغرور فقال: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)، وما أشدّ حاجة المسلم إلى أن يتعرّف على مزالق الغرور التي يُوقعُ فيها الشيطان ابن آدم، ويُلهيه بذلك عن أن يشكر الله تعالى، ويحسن عبادته، ويبوء له بنعمته عليه، فإن استحضار هذه المزالق مُعينٌ على تجنُّبها، وهذه الحبائل من الكثرة بمكان؛ إذ الشيطان عدوٌّ خبيثٌ ناصَبَ أبا البشرية وذريته العداء منذ أمره الله بالسجود لآدم، فاستكبر وكفر، وما زالت مكايده تتكاثر وتتنوع، فالحديث عن نوعٍ معينٍ منها إنما هو من قبيل التنبيه بالنظير على النظير، فمن مكايد الشيطان التي يصطاد بها المغرور ما يأتي: أولاً: الإمكانات المتاحة سواء كانت من قبيل التفوّق البدني من قوّةِ بطشٍ ونحوه، كما حصل لقوم عادٍ حين غرّتهم قوتهم، وشدّة بطشهم وجبروتيتهم حتى قالوا لنبي الله هود عليه السلام: (من أشدُّ منا قوة)، أو من قبيل التفوّق المعرفي والمادي كما حصل لقارون حين غرّه ماله ومعرفته، ولـمّا وعظه قومه وذكّروه اغترّ بذلك (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي)، أو من قبيل الإمكانات المحيطة بالشخص من أنواع التدبير المختلفة، كما وقع لابن نوح عليه السلام إذ قال له أبوه (يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)، ومعلومٌ ما حلَّ بالمذكورين من العاقبة الوخيمة جرّاء اغترارهم بهذه النعم التي كان اللائق مقابلتها بشكر من أنعم بها. ثانياً: الجاه والنفوذ والسّلطة، كما حصل للجبابرة العُتاة وقد قصّ الله علينا من قصصهم، وأشهرهم فرعون الذي لم يُخُفِ اغتراره بما نال من الملك والسلطة، (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)، ولم يكتف بهذا بل وصل إلى أبعد الحدود (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى)، غرور ما بعده غرور! وقد تحطّم هذا الغرور لـمّا أخذه الله أخذَ العزيزِ المقتدر، فأغرقه وواجه أهوال الغرق كما يواجهها صيّادٌ مسكينٌ عصفت الريح بقاربه. ثالثاً: شرف الآباء وطيب الأعراق، وتسلسل الفضائل في البيوتات، وقد منّ الله على بني إسرائيل بكثيرٍ من ذلك، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَوَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) لكنّهم في فترات انحرافهم اغترّوا بذلك، وتناسوا أن هذا فضلٌ من الله، وهو بيده يسلبه متى شاء، وغلوا في الترفّع على الناس، وأعظموا الفرية في تفخيم شأنهم (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) تعالى الله عن ذلك عُلّواً كبيراً، ومنّوا أنفسهم الأماني الكاذبة في النجاة من مغبّةِ كفرهم بأهون العذاب (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ)، واستحلّوا أموال غيرهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وجعلوا دخول الجنة حكراً عليهم (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)، ومن العجب مقابلة نعم الله عليهم بكل هذا الغرور العظيم، والنزق البالغ. رابعاً: ستر الله السابغ الذي حجب به كثيراً مما يقترفه عباده، فغرّ ذلك بعضهم، وتمادوا في ارتكاب القبائح، وكم فضح الله مستهتراً لم يَدُرْ في خلده أن السِّترَ يُمكنُ أن ينهتك عن هَنَاته، كما حصل للمنافقين في كثيرٍ من المواقف حيث ينتهكون حرمات الله في خلواتهم، فَيُنزلُ الله على نبيه آيات بينات تفضح خباياهم، وتُظهرُ سوء نياتهم، وما زالت السنة الكونية جاريةً بفضح المتلاعبين بدين الله الـمُظهرين لخلاف ما يُبطنون، فكم زاحم رواةَ العلم وضّاعٌ مُتظاهرٌ بخدمة الدين، فقيّض الله له من يُبيِّنُ للأمة أنه كذّاب، وكم داعيةِ سوءٍ تقمّصَ دور المصلح ففضحه الله، واشتهر بأنه رأسُ بدعةٍ وداعيةُ فتنةٍ.

مشاركة :