التَّطَرُّفُ الفِكْرِيُّ مُخَطَّطٌ غَرْبِيٌّ وَإِقْلِيْمِيٌّ لِتَفْتِيْتِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ بِأَيْدِي مُوَاطِنِيْهَا

  • 4/26/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أولئك العشوائيُّون السطحيُّون يعدَّون صيداً سهلاً للوقوع في شراكِ التشدُّد الدينيِّ وبشباكِ التطرُّف الفكريِّ إنَّ مجرياتِ الحياة الاجتماعيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة ونتائج تماسِّها وتفاعلِها تدعو الفردَ لتأمُّلِهَا لِيَنْتَهِجَ من خلالها مسارَه المعتدل القويم؛ باعتبارها تجارِبَ فرديَّةً أو جماعيَّةً مستقرّةً أو متحرِّكةً متفاعلةً، ولكنَّ معظمَ الأفراد لا يتأمَّلونها وإنِّما يتركونها حتَّى تداهمَهُم مجرياتُها فعلاً وتأثيراً؛ فيتصرَّفون حينذاك تصرُّفاً آنيّاً تلقائيّاً، فتنعكس تصرُّفاتهم سلبيّاً عليهم وعلى مجتمعاتهم وأوطانهم، فإذا هم كما قال الشاعر: وفي غَابِرِ الأيَّامِ ما يَعِظُ الفتى ** ولا خيرَ فيمنْ لم تَعِظْه التَّجَارِبُ. فيما الفردُ المتأمِّلُ مجريات الحياة حوله سيتوقَّفُ مفكِّراً فيها تفكيراً جادّاً وعميقاً باحثاً عن أسبابها ومصنِّفاً مظاهرها بين إيجابيٍّ وسلبيٍّ، ومحاولاً بتؤدةٍ النظرَ بتصحيح السلبيِّ وتقويمه، والتأكيد على الإيجابيِّ وتعزيزه؛ وأنِّه بحسب وعيه وقدراته على التأمُل فالتفكير فالنظر سينجح في ذلك، وستكون مواقفُه إيجابيَّةً منها ومن تأثيراتها عليه، وهنا سيظهر الفرقُ بينه وبين الفرد العشوائيِّ التأمُّل السطحيِّ التفكير، الباحث عن قوالب جاهزة لتشخيص الواقع ولتصنيف مظاهره ولاستنتاج أسبابها؛ وحينها سيخدع بما يسوِّقُه المدَّعون تأمُّلاً فلسفيّاً وتفكيراً منطقيّاً متوهِّماً بمناسبته له آخذاً بتوصياتهم المقولبة المجهَّزة فخاخاً لاصطياد أمثاله من العشوائيَّين تأمُّلاً السطحيين تفكيراً. أولئك العشوائيُّون السطحيُّون يعدَّون صيداً سهلاً للوقوع في شراكِ التشدُّد الدينيِّ وبشباكِ التطرُّف الفكريِّ التي ينصبها لهم المنظِّرون من ذوي الأهداف الاجتماعيَّة والسياسيَّة الخاصَّة بهم، كردَّات فعلٍ أفرزتها انعكاساتٌ من مجتمعاتٍ مارستْ ضدَّهم التهميشَ والإقصاء فلم يثبتوا ذواتهم بالتَّصدِّي لها فنقموا على المجتمع في علاقاته وفي جامعاته وفي مؤسَّساته الرسميَّة والمدنيَّة، وقد تكون أيضاً ردَّات فعلٍ من مفتقدي العدالة المعانين الظلمَ وانتهاك حقوقهم في طفولتهم ومراهقتهم وشبابهم، أو ممَّن لاحظوا افتقادها في شرائح من مجتمعاتهم دون أن يجدوا منصفاً لهم ومحقِّقاً للمساواة بينهم وبين سواهم من أفراد المجتمع، بل ووَجَدُوا من طبقتهم الاجتماعيَّة أو من شريحتهم الثقافيَّة معيقين يحولون دون ما يستحقُّونه وفق تأهيلهم وقدراتهم وإمكاناتهم. ينصبُ المخادعون المنظِّرون شراكَهم ويُهَيِّئون شباكَهم في بيئاتٍ يصطادون بها مستهدفيهم في المدارس الثانويَّة والجامعات بنين وبنات، فيتغلغلون بنشاطاتها ومعسكراتها واعظين وموجِّهين ومدرِّبين مستثمرين خصائص منسوبيها النفسيَّة بتوفير ما لم يتهيَّأ لهم بتعليمهم من رعاية لذواتهم ولمتطلَّباتهم النفسيَّة بتوكيد الذات بالمشاركة في التخطيط وباتِّخاذ القرار، مستغلِّين المداخلَ الدينيَّة المؤكِّدة على المساواة في الحقوق والواجبات، وعلى نصرة الإسلام بمواجهة أعدائه من غير المسلمين ومن المسلمين من دعاة الاعتدال والتوسُّط ممَّن يصنِّفونهم باللبراليين أو يصفونهم بالعلمانيين، مستثيرين في مستهدفيهم العاطفةَ الدينيَّة ليترجموها أفعالاً انتقاميَّة أو محاولات لتغيير الواقع باستشراف المستقبل بالصورة المرسومة لهم بدولة إسلاميَّةٍ شبيهةٍ بدولة العصر الراشد، محدِّدين لهم طريقَ الجهاد لتحقيق ذلك أو للاستشهاد في سبيله فدخول الجنَّة فالتَّمتع بالحور العين جزاءً وثواباً للشهادة. ووجد أولئك المنظِّرون أيضاً بين المراهقات والعوانس والمطلَّقات والأرامل والمعضولات قبولاً فكريّاً ودينيّاً بإيهامهنَّ بالخروج بهنَّ من مشكلاتهنَّ ومعاناتهنَّ، إلى فضاءٍ اجتماعيٍّ أكثر عدلاً وإنصافاً وتمكيناً لهنَّ في حقوقهنَّ في مجتمع إسلاميٍّ مُسْتَشْرَف، فغرَّروا بهنَّ كما غرَّروا بالشباب وبالمراهقين، مكوِّنين منهم ومنهنَّ جماعاتهم بـأسمائها المختلفة وخلاياها النائمة والنشطة، واستثمروا التقنية الحديثة وجهات التواصل الاجتماعيِّ ومواقع الشبكة العنكبوتيَّة ليصلوا إليهم وإليهنَّ؛ ليبثُّوا أفكارهم وتوجُّهاتهم بطريقةٍ أيسر من طريق منابر الجوامع وقاعات الجامعات وفصول المدارس وساحات المعسكرات؛ وبذلك حقَّقوا من الانتشار لأفكارهم وتوجُّهاتهم، ومن حشد المؤيِّدين والمموِّلين والمجنَّدين لتنفيذ خططهم ومخطَّطاتهم الإرهابيَّة ما لم تحقِّقْه الوسائلُ والأساليبُ التقليديَّة لهم. وأحسب أنَّ المدى الزمنيَّ الطويل في غفلةٍ من الحكومات والمجتمعات عن أولئك، بل وحفزهم بدايةَ مرحلة التكوين على ممارسة نشاطاتهم الفكريَّة والعمليَّة باسم الجهاد، كان ذلك ذا تأثيرٍ في نجاح خططهم ومخطَّطاتهم، وحينما فُطِنَ لهم من بعض الحكومات والمجتمعات انتهجوا التَّخفِّي والسريَّة، فكان منهجهم الخفيُّ في التعليم وفي الإعلام وفي الجمعيَّات الخيريَّة طريقاً للاستمراريَّة ولمواصلة الاستقطاب فالتجنيد فالتنفيذ الفعليِّ لمخطَّطاتهم، وقد اسْتُغِلَّ أولئك من أعداء الوطن العربيِّ لتوجيه خططِ الهيمنة عليه ونشر النفوذ فيه وعودة المستعمر الغربيِّ إليه لتنفيذ مخطَّط الشرق الأوسط الجديد خدمةً للصهيونيَّة؛ فوجدوا في أحقاد فارس معيناً ومساعداً لتنفيذ ذلك؛ فغضُّوا الطرف عن إيران لتمدَّ نفوذها في الشام والعراق واليمن وفلسطين ولبنان وليبيا، وأسهموا بتنامي الطائفيَّة وعودة الشعوبيَّة كمنهجين لتفتيت الشعوب العربيَّة؛ وقد وجدوا من دولٍ عربيَّة وإقليميَّة دعماً إعلاميّاً وماديّاً وسياسيّاً وبالتسليح؛ لذلك فلمواجهة الفكر المتطرِّف والتشدُّد الدينيِّ ينبغي أن تكون المواجهةُ فكريّةً وثقافيّةً وسياسيّةً في المقام الأول، فهل سيتنبَّهُ الوطنُ العربيُّ إلى ذلك وإلى ما يخطَّط له غربيّاً وإيرانيّاً وتركيّاً وباستخدام العربِ لتنفيذ ذلك؟!!.

مشاركة :