تقول أوساط سياسية إن هناك خيطا ناظما بين التطورات في شمال شرق سوريا بشأن المنطقة الآمنة أو “ممر السلام” كما تقول تركيا، وبين الأوضاع في محافظة إدلب شمال غرب البلاد. وتلفت الأوساط إلى أن الولايات المتحدة يبدو أنها فرملت اندفاعتها حيال تطبيق الاتفاق المعلن عنه مع تركيا الشهر الماضي، على خلفية مؤشرات عن صفقة بين أنقرة وموسكو تتيح للحكومة السورية استعادة السيطرة على محافظة إدلب ومحيطها وإعادة الحياة للطريقين الدوليين دمشق /حلب (أم 5) وحلب/ اللاذقية (أم 4) وهما يشكلان شريانا حيويا لاقتصاد سوريا المنهك جراء الحرب المندلعة منذ أواخر العام 2011. ولا تختلف الولايات المتحدة مع روسيا حيال وجود تنظيمات إرهابية في إدلب وجب مكافحتها، وشنت على مدى السنوات الماضية ضربات على معاقل تلك التنظيمات بيد أنها ترى في التفاهمات الروسية التركية الأخيرة ما من شأنه أن يكرس قوة نظام الرئيس بشار الأسد، ويعزز وضع روسيا في سوريا. ومع إعلان موسكو الأسبوع الماضي عن هدنة مؤقتة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، بعد أيام قليلة من زيارة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى روسيا، شنت الولايات المتحدة هجمات على مواقع يتحصن فيها عناصر من تنظيم “حراس الدين” داخل المنطقة، الأمر الذي سارعت موسكو لانتقاده معتبرة أن الهدف هو إفشال الهدنة وإعادة خلط الأوراق. بالتوازي مع ذلك برزت مؤشرات عن تباطؤ في وتيرة الاستعدادات الأميركية لإنشاء المنطقة الآمنة الموعودة. وقال متحدث باسم التحالف الدولي هذا الأسبوع، إن التحالف متمسك بدعم الأكراد باعتبارهم حلفاء، ولعبوا دورا رئيسيا في الحرب على داعش. وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء بأن المنطقة الآمنة في شمال سوريا “لا تزال حبرا على ورق وليس شيئا آخر”. وأشار أردوغان إلى أن إدلب ستكون أبرز ملفات مباحثاته مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في حال لقائهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر. وشدد على أن مسألة إدلب تعد قضية تركيا، كون أي هجرة فيها ستكون باتجاه حدودها، مضيفا “نحن من يعاني تبعات ذلك، ونحن من نمتلك حدودا مع سوريا بطول 910 كم، وأي حريق هناك سيحرقنا، ولن يحرق تلك الدول”، فيما بدا إشارة إلى الولايات المتحدة. وجدير بالذكر أن المسؤولين الأميركيين والأتراك بدأوا الشهر الماضي تنفيذ جانب من الاتفاق بشأن المنطقة الآمنة، من خلال القيام بجولات استطلاعية مشتركة، كما انسحبت عناصر من وحدات حماية الشعب الكردي من بعض المناطق الحدودية. وأكدت قيادية في مجلس سوريا الديمقراطية الذراع السياسية لتحالف قوات سوريا الديمقراطية الثلاثاء انسحاب بعض القوات الكردية، إلى مسافة ما بين 5 و14 كلم في بعض الأجزاء من المنطقة الحدودية معتبرة أن هذا التطور يشكل خطوة نحو بدء حوار حول المخاوف الأمنية المشتركة مع تركيا. وقالت إلهام أحمد، الرئيس المشارك للجنة التنفيذية للمجلس سوريا الديمقراطية، إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين واشنطن وأنقرة جرى بالتنسيق مع الأكراد. وأوضحت أحمد “نسعى لإيجاد طريقة للحوار، والبدء في تنفيذ هذه الخطة يعبر عن استعدادنا وجديتنا. فنحن نريد أن نقول للعالم والتحالف الدولي إننا مستعدون لاتخاذ خطوات جادة للوصول إلى الحوار”. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردي المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الذي ينشط داخل أراضيها، وشنت عمليتين عسكريتين منذ العام 2015 لمنع سيطرة التنظيم على طول الحدود التركية السورية. ويرى مراقبون أن هناك عدة دوافع تساهم في إبطاء عملية إنشاء المنطقة الآمنة فإلى جانب الحسابات المتداخلة، في علاقة بإدلب، فإن واشنطن وأنقرة لم تتوصلا بعد لاتفاق نهائي حيال عمق المنطقة الآمنة، ومن سيتولى حقيقة الإشراف عليها. وقالت إلهام أحمد إن هناك حاجة إلى إرسال المزيد من القوات الأميركية لإنشاء المنطقة الآمنة، رغم أن الأميركيين لم يؤكدوا على ذلك بعد، مضيفة “في الأيام المقبلة، وبسبب احتياجات تشكيل وتطبيق آلية الأمن، فقد يحتاجون إلى المزيد من القوات. ولم يتضح بعد ما الذي ستقرره الإدارة الأميركية”. وهناك حوالي 1000 جندي أميركي في سوريا. ويريد الرئيس دونالد ترامب سحب تلك القوات، لكن المسؤولين العسكريين يفضلون إتمام العملية بشكل تدريجي. وقالت أحمد إن الخطوات الأولية كانت إيجابية، لكن حتى يسود الهدوء يجب أن تنسحب القوات التركية أيضا من الحدود السورية. والأكراد في سوريا هم في الغالب من شمال شرق البلاد، ويعيشون في قرى وبلدات مختلطة. وشددت المسؤولة الكردية على أنه لن يتم تهجير أي سكان بسبب إقامة المنطقة الآمنة.
مشاركة :