الحريري يشدّد إجراءات التقشف لخفض عجز الموازنة

  • 9/5/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

انتقل لبنان إلى السرعة القصوى باتجاه فتح ورشة الإصلاحات، التي تطالب بها المؤسسات المالية الدولية لمعالجة أزمة شلل الاقتصاد بشكل جذري رغم شكوك الكثيرين في نجاح مساعيه. وأكد رئيس الوزراء سعد الحريري في مقابلة مع محطة سي.أن.بي.سي الأميركية بثت أمس أن حكومته تستهدف خفض عجز الموازنة من 11.2 بالمئة إلى 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2020 في إطار إصلاحات لضبط الأوضاع المالية العامة وكبح الدين العام. ويشعر اللبنانيون العاديون بتأثيرات ضعف الاقتصاد على حياتهم المعيشية، فالإقراض منخفض، ونشاط الشركات يتراجع مع هبوط الأسعار في قطاعات استراتيجية وتدني مستوى الخدمات الأساسية. وتعاني ركيزتان أساسيتان من ركائز الاقتصاد هما السياحة الخليجية والعقارات الفاخرة من التراجع في ظل الارتباك الكبير في إدارة اقتصاد الدولة. ونفى الحريري بشدة خلال المقابلة أن تكون هناك نوايا لفك ارتباط الليرة بالدولار، وهو ما يشكل عنصرا حيويا للمضي قدما في الإصلاحات التي تعثرت لفترة طويلة. وتكشف عروض المصارف لعوائد مرتفعة لتحويل العملات الأجنبية إلى ودائع طويلة الأجل بالليرة، عن جهود استثنائية للدفاع عن ذلك النظام القائم منذ عقدين، وترسيخ استقرار متانة النظام المالي رغم الأزمة الاقتصادية الحادة. وقال الحريري إن “التحدي يكمن في منع عبء الدين العام من التفاقم أكثر من ذلك”. وأضاف “استراتيجيتنا هي العمل على تثبيت المشكلة التي نواجهها على الوضع الحالي. فأهم شيء هو عدم تفاقم المشكلة، أليس كذلك؟”. وتابع “لذا ما نفعله هو إصلاح مشكلة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والهبوط بالعجز إلى 7.6 بالمئة هذا العام. ونرغب في خفض هذه النسبة إلى 7 بالمئة العام المقبل أو ربما أقل بقليل”. ويواجه لبنان أزمة اقتصادية حادة تجلّت في تصاعد الدين العام، الذي بلغ، وفق بيان لوزارة المالية في الربع الأول من العام 2019، نحو 86.2 مليار دولار، ما يشكل نحو 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكانت وكالة فيتش قد خفضت الشهر الماضي تصنيفها الائتماني للبنان إلى درجة سي.سي.سي من بي سالب بسبب مخاوف متعلقة بخدمة الدين. وقفزت تكاليف التأمين على ديون لبنان السيادية إلى مستوى قياسي الأسبوع الماضي في ظل تنامي التوترات مع إسرائيل والتي تضاف إلى المخاوف بشأن الوضع المالي للدولة. وأظهرت بيانات من آي.أتش.أس ماركت ارتفاع مبادلات مخاطر ائتمان لبنان لخمس سنوات إلى 1205 نقاط أساس، بزيادة تسع نقاط أساس عن مستوياتها السابقة. وبعد أن عانت البلاد لسنوات من انخفاض معدلات النمو، تبدو الحاجة إلى الإصلاحات التي توقفت لفترة طويلة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى لوضع المالية العامة للدولة على مسار مستدام. ويرى الحريري أن تسريع وتيرة الإصلاحات من شأنه أن يساعد على تفادي سيناريو مشابه لذلك الذي واجهته اليونان عندما انزلقت في أزمة ديون قبل تسعة أعوام واضطرت إلى تبني إجراءات تقشفية صارمة تحت إشراف دقيق من الدائنين الدوليين. ويقول اقتصاديون وسياسيون إن نسب العجز الكبيرة في الموازنات على مدى الأعوام الماضية ترجع بالأساس إلى الهدر والفساد والسياسات الطائفية. وأطلق لبنان صفارات الإنذار الاثنين الماضي بالإعلان عن دخول البلاد في حالة طوارئ اقتصادية وأن الحكومة بدأت العمل على خطة لتسريع إصلاحات تتعلق بالمالية العامة. وأعلن الحريري حينها القرار، وذلك لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد منذ سنوات طويلة. وقال في تصريحات للصحافيين في ختام اجتماع اقتصادي عُقد في القصر الرئاسي بدعوة من الرئيس ميشال عون، لقد “قررنا إعلان حالة طوارئ اقتصادية”. وتابع “لدينا فرصة ستة أشهر بعد تصنيف لبنان الائتماني الأخير حتى لا تصبح حالتنا كحالة الدول التي انهارت”. وتعيش البلاد أصلا حالة طوارئ اقتصادية في ظل اتساع تداعيات الأزمة، إذ اصطدمت الحكومة الجديدة إثر توليها مهامها قبل أشهر بواقع صادم على مستوى العجز المالي، وهو ما دفع المؤسسات المالية الدولية للدعوة إلى الإسراع في وقف هذه “الدوامة المدمّرة”. ويشكك صندوق النقد الدولي في قدرة لبنان على بلوغ العجز في موازنة 2019 المستوى المستهدف عبر تحقيق الإيرادات المتوقعة وتخفيف حدة الأزمات الاقتصادية بعد سنوات طويلة من تسيير شؤون الدولة بصورة ارتجالية. ورجّح الصندوق في يوليو الماضي أن يتجاوز العجز في الموازنة المستوى الذي تستهدفه الحكومة البالغ 7.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بكثير. وحذرت ستاندرد آند بورز غلوبال أمس من أن لبنان يواجه خفضا جديدا للتصنيف الائتماني واختبارا محتملا لربط عملته إذا تسارعت وتيرة استنزاف احتياطياته المحدودة من النقد الأجنبي. ولكن رئيس الوزراء اللبناني أكد أن إبقاء سعر الليرة عند 1500 للدولار هو السبيل الوحيد المستقر للمضي في إصلاحات الحكومة. رئيس الوزراء اللبناني أكد أن إبقاء سعر الليرة عند 1500 للدولار هو السبيل الوحيد المستقر للمضي في إصلاحات الحكومة وظلت الليرة مربوطة بالدولار عند مستواها الراهن لأكثر من عقدين، ويُنظر إلى هذا الارتباط باعتباره إحدى ركائز الاستقرار المالي في البلاد. وتابع الحريري أن بلاده لا تفكر في اللجوء إلى برنامج من صندوق النقد بما أنه سيترك تحديد تسعير العملة لقوى السوق. وقال “أعتقد أن صندوق النقد الدولي لديه معايير محددة لا نتّبعها، خاصة في ما يتعلق بالليرة اللبنانية. هذا أمر نشعر بحساسية بالغة حياله”. وأوضح أن اختلاف الآراء بشأن سياسة سعر الصرف كان مصدر الخلاف الوحيد بين الحكومة وصندوق النقد. وكانت الحكومة تجري مشاورات مع صندوق النقد بشأن كيفية معالجة المشاكل الاقتصادية والمالية في البلاد. ويؤكد صندوق النقد أن معدلات النمو السنوي هبطت إلى ما بين 1 إلى 2 بالمئة، من 8 إلى 10 بالمئة في السنوات الأربع التي سبقت اندلاع الحرب في سوريا. وقال الحريري إن “لبنان ليس بحاجة إلى الدخول في أي برنامج مع صندوق النقد لأن لديه بالفعل خطة طموحة للإصلاح الهيكلي بالاتفاق مع الجهات المانحة، والتي من شأنها أن تساعد في جذب الاستثمارات وتحفيز النمو”. وفي العام الماضي، تعهدت حكومات أجنبية ومؤسسات مانحة خلال مؤتمر في باريس، بتقديم تمويل قيمته 11 مليار دولار إلى لبنان من أجل برنامج استثمار في البنية التحتية مدته 12 عاما، لكن شريطة تنفيذ البلاد لإصلاحات. وكان البنك الدولي قد حذر في مارس الماضي من تداعيات اقتصادية خطيرة على الاقتصاد اللبناني نتيجة تباطؤ الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، التي تسد حاجته إليها ليتمكن من احتواء مخاطر ديونه الكبيرة. وقال فريد بلحاج، نائب رئيس البنك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حينها، إن “الإصلاحات رغم البدء بها لا ترتقي حتى الآن إلى المستوى المطلوب”. وأكد أن تعهدات مؤتمر سيدر بمساندة لبنان مشروطة بتنفيذ إصلاحات محددة وأنها لا تزال تنتظر خطوات الحكومة اللبنانية لتمهيد الطريق لتدفق الأموال. ويأمل الشباب اللبناني في أن تكون الوعود بتوفير 900 ألف فرصة عمل من خلال برنامج الحكومة لإعمار البنية التحتية الذي حملته بيروت إلى مؤتمر سيدر، فرصة حقيقية لبناء مستقبلهم. ولكنّ مراقبين يرون أن هذه الوعود مستحيلة وأن هذا البرنامج، الذي يتوقع أن يستمر 10 سنوات لا يمكنه توفير حوالي 90 ألف وظيفة سنويا.

مشاركة :