أعلنت وزارة الثقافة السعودية في وقت سابق على لسان الوزير عن رؤية وتوجهات لمجموعة مبادرات متنوعة تغطي جميع اتجاهات النشاط الثقافي، وتشتمل على دعم كيانات وقطاعات ثقافية، بهدف تمكين كل المنتسبين إلى المجال الثقافي من ممارسة إبداعاتهم، وتوفير منتج ثقافي مميز يساعد على رفع مستوى جودة الحياة في جميع مناطق المملكة. في ظل هذه المبادرات، وضمن رؤية الوزارة المستقبلية، نسأل عددا من المسرحيين السعوديين حول انتظاراتهم من الوزارة، وعن تطلعاتهم واستشرافهم للمرحلة الثقافية القادمة التي وعدت الوزارة بالاستثمار فيها بشكل يعيد صناعة وصياغة المشهد الثقافي في السعودية. وتتوقف “العرب” في هذا الاستطلاع مع نخبة من المسرحيين السعوديين مستشرفة تطلاعتهم وآراءهم حول ما يأملون فيه من رؤية الوزارة، وهل كانت على مقاس آمالهم وتطلعاتهم؟ وهل راعت الوزارة تنوّع خبراتهم وتجاربهم ومنجزهم الثقافي؟ وهل استعانت بالكوادر المسرحية الأكاديمية السعودية المتخصصة، أم أنها سلمت بعض -أو كل- ذلك لمتعهدين محكومين بمتطلبات السوق التجارية من عرض وطلب وتذاكر جمهور؟ رؤية إستراتيجية في هذا السياق يؤكد رئيس الفرقة الوطنية للمسرح السعودي عبدالعزيز السماعيل أن المسرح والمسرحيين في المملكة يشتركون في عدد من المطالب الأساسية الملحة منذ زمن بعيد، ويشير إلى أن وزارة الثقافة قدمت رؤية إستراتيجية طموحة للثقافة عموما في المملكة، ومن ضمنها المسرح، فكانت الفرقة الوطنية للمسرح ضمن المبادرات الأولية التي أطلقتها الوزارة للعمل مباشرة في الثاني من أبريل 2019. ويضيف السماعيل “ذلك ليس كل شيء لدى الوزارة في ما يخص المسرح والفنون الأدائية عموماً، حيث ضم هيكل خطة الوزارة هيئة خاصة للمسرح والفنون الأدائية معنية بكل فنون الأداء ومن ضمنها المسرح، وإذا تتبعنا خطوات الوزارة المعلنة من قبل الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة فقد تم الإعلان منذ فترة قريبة عن بدء التحضير لتأسيس الأكاديميات للدراسات المتخصصة في الفنون، وسوف تليها أكاديمية المسرح والفنون الأدائية، إضافة إلى إنشاء مسارح كبرى متعددة بأحدث المواصفات. وزارة الثقافة قدمت رؤية إستراتيجية طموحة للثقافة عموما في المملكة، لكن المسرح لم يحظ بالاهتمام المطلوب كل ذلك يصب في خانة البنى الأساسية التي كان المسرح السعودي بحاجة ملحة إليها، والتي ستساهم حتما في تحقيق طموح المسرحيين وتطوير المسرح السعودي في كل المناطق، إضافة إلى المساهمة في تطوير مسرح الطفل والمسرح المدرسي ومسرح التعليم”. ومن وجهة نظر مختلفة يقول الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي “منذ زمن بعيد ونحن محكومون بالأمل في ما يخص مسرحنا المحلي، ويبدو لي أن الأمل صار محكوماً بنا. المشهد ضبابي للغاية، وكل ما به شائعات تأتي من هنا ومن هناك على شكل تسريبات، والمشكلة أن سقف طموحنا بعيد جداً، والواقع محبط جداً، لا هذا تحرك، ولا ذاك توقف عن الأمل”. ويؤكد الحارثي أن مطالب المسرحيين السعوديين من الوزارة ليست كبيرة، ولا عسيرة، وما هو معلن يفوق حجم ما يتوقعونه ويتمنونه. ويستأنف حديثه قائلا “المشكلة أن كل شيء واقف في مكانه في الأعوام الماضية. قل إنتاج الأعمال المسرحية كثيراً بسبب عدم وجود دعم مالي يحرك الراكد، ما زلنا في انتظار المعلن عنه؛ من مسرح وطني، من دعم مالي، من معاهد متخصصة، من بناء لقاعات، من مشاريع، من دعم للمشاركات الخارجية التي تمثل البلد، من مهرجان وطني يجمع شتات المسرحيين، من إعادة الاعتبار للمسرح وجعله كياناً منفصلا بعيداً عن الفنون الأدائية، من تحفيز للدارسين والباحثين وطباعة الكتب لهم، من مسابقات للنص المسرحي. هل هي مطالب مبالغ فيها؟ ولأننا محكومون بالأمل، والأمل محكوم بنا، دعنا ننتظر ربما القادم أجمل”. عكس التوقعات في مداخلة لا تخلو من الخيبة العالية يتفق الكاتب المسرحي عباس الحايك مع الحارثي في العديد من النقاط، ويوضح رأيه بالقول “منذ مارس الماضي، وتحديداً يوم 27 مارس -وهو يوم المسرح العالمي- انطلقت رؤية وزارة الثقافة، لكنها خرجت على عكس توقعات المسرحيين، كنا نظن أن اختيار يوم المسرح هو رغبة من الوزارة في تأكيد أهمية المسرح، لكن الرؤية يومها لم تعلن سوى عن فرقة المسرح الوطني التي هي -وحتى الآن- غير واضحة المعالم، ولا نعرف كمسرحيين مدى أهميتها لغير أبناء العاصمة، حيث مقر الفرقة”. ويتابع “خرجت الوزارة أيضاً بإعلان عن أكاديميات فنون، ولم تكن بينها أكاديمية مسرح. نعم، نحن محبطون، فلا ميزانيات لتنفيذ عروض، ولا مهرجانات، ولا اهتمام واضحا بأبي الفنون. مطالبنا رددناها طويلاً، حتى في الورش التأسيسية لوزارة الثقافة، قدمنا قائمة باحتياجاتنا كمسرحيين. نحن نطالب أولاً باعتراف بالمسرح كفن حضاري، مثله مثل السينما التي تقدم لها كل التسهيلات، نطالب بخشبات مسرح، وببنية تحتية، وبأكاديمية، نطالب بموازنات تكفي لتقديم مسرح، ونطالب أيضاً بمهرجان سنوي، فآخر مهرجان سعودي كان في 2008، نطالب بالاهتمام بالفرق الخاصة، والاهتمام بالجانب الثقافي، نحتاج إلى مركز أبحاث مسرحية وأرشيف مسرحي بدل الجهود الفردية لأرشفة العروض والنشاطات المسرحية”. ويضيف الحايك “نطالب بأن يكون المسرح حاضرا في أجندة الوزارة، فنحن نرى بعين الغبطة كيف انصب الاهتمام على السينما، وأطلقت الوزارة مهرجاناً دولياً ومنحا لتنفيذ أفلام، وكانت قد ابتعثت مجموعة من المسرحيين إلى أوروبا لتعلم السينما، ولكننا كمسرحيين لا نحظى بأي من هذا. نحتاج إلى أن نتساوى مع السينما، فالمسرح أكثر عراقة، فهل نسينا مقولة ‘أعطني مسرحا، أعطك شعبا عظيما‘؟ المسرح ضروريّ لبناء شخصية المجتمع، وعلاقته بالحياة، فلو كان ثمة اهتمام به سابقاً لما عانى مجتمعنا من حالات التطرف. ما زلنا نأمل، ولن نقول إننا متشائمون، سننتظر أكثر ما يمكن أن تقدمه الوزارة للمسرح”. من جهته يخشى المسرحي إبراهيم الحارثي الرؤية المستقبلية وسط الانطلاقات والتغيرات المستمرة ويوضح أنه صار لزامًا على الوزارة أن تؤمن بضرورة تطوير البرامج الموجهة للشرائح المهتمة، وعدم تسليمها للعقليات التي لا تسعى للتطوير، بل تسعى لجعل المستقبل غير قادر على الحركة. يقول “أتمنى حقيقةً أن تكون كل هذه المبادرات التي أطلقتها الوزارة قادرة على السير إلى الأمام، وأتمنى أن تجد الوزارة طريقًا للمسرحيين الذين استمروا طوال 25 عامًا في نفس البقعة دون أن يحصل لهم تطور كبير. مسرحنا طوال ربع قرن ظل يحاول أن ينطلق إلى الأمام، لكن قيود التسلط والتهميش كانت تسيطر عليه. وكل الأمنيات أن تصب هذه المبادرات في نقل الثقافة المحلية لتكون حاضرة بقوة عربياً وعالمياً”. قلعة محصنة في نظرة متشائمة يقول الناقد والمخرج مالك القلاف “ماذا عليّ أن أقول؟! أنا فعلياً -ودون مواربة- لا أجد ما يمكنني أن أكتبه لأسجل من خلاله إضافة فعلية على كل ما قيل أو سيقال في هذا المقام!. بمعنى آخر، لا شيء جدير بالذكر”. ويضيف “ما زالت مسارحنا مصابة بالفقر المدقع، وما زالت لجان المسرح في جمعيات الثقافة والفنون تعاني من العوز والفاقة. يكفينا برهاناً على ذلك عدم وجود مهرجان مسرحي حقيقي في كل أرجاء المملكة. وحتى المهرجانات الفقيرة الضئيلة التي تقام سنوياً بميزانية أقل من هامشية تم إيقافها تحت وطأة انعدام الإمدادات، كمهرجان الدمام للعروض المسرحية مثلاً، والذي كان يقام برعاية لجنة المسرح بجمعية الدمام للثقافة والفنون، تم إيقافه منذ أربع سنين تقريباً وإلى أجل غير مسمى”. مسرحيون يطالبون بالاعتراف بالمسرح كفن حضاري ودعمه بجدية مثله مثل السينما التي تقدم لها كل التسهيلات ويتابع “إضافة إلى كل ذلك، فإن هناك مسرحيين سعوديين متخصصين يحملون شهادات أكاديمية عليا في المسرح وخبرة طويلة في هذا المجال يبدو من الطبيعي أن تكون وزارة الثقافة هي الحاضنة الأولى لهم، من خلال توظيفهم وتطويرهم والاستفادة من خبراتهم ومعارفهم وتجاربهم. هذا ما يفترض، ولأنني أحدهم فسأجيز لنفسي أن أتحدث بلسانهم لأنقل ما نعانيه من بطالة ومن تهميش وإقصاء مخجل. حرفياً، نحن لا نعرف للوزارة باباً ولا شباكاً، فهي أشبه بقلعة سرية محصنة لها موقعها الإلكتروني الذي تم تدشينه صورياً كنوع من ‘البرستيج‘، فلا هو يسمن ولا هو قد أغنى من جوع، ولا سبيل للوصول من خلاله إلى آذان صاغية تسمع، ولا إلى أذرع مفتوحة تحتضن. مليئون بالشكاوى وبالاقتراحات وبالأفكار وبالدماء الشابة وبالمعرفة وبالإجازات العلمية وبالتجارب العملية وبالخبرات! لكن كما أسلفت، لا جدير بالذكر في هذا المقام”. وترى الكاتبة المسرحية إشراق الروقي أن المسرح لا يحظى باهتمام المسؤولين مثلما تحظى به بقية المجالات والأنشطة الثقافية والفنية التي انتشرت انتشاراً باهراً لم يكن متوقعاً على الإطلاق. وفي هذا الشأن تقول “حتى مع النهضة الفكرية والتوجه الجديد -مع الأسف- لم ينل المسرح من ذلك كله أي بالغ اهتمام، حيث إنه لا يزال مستمراً استقطاب المسرحيات من الخارج، والذي برأيي يجب أن يتوقف، ويحل محله العمل الجاد على منتجنا المحلي الذي أثق تمام الثقة بأنه يملك الكثير من الإبداعات والتحف المسرحية التي لم تأخذ حقها في الانتشار والتوسع لأسباب علاجها ليس بالشيء الصعب أو المستحيل”. وتضيف الروقي متحدثة عمّا ينقص المسرح السعودي “ينقصنا كمسرحيين توفر مسارح رسمية تكون بإشراف جمعيات أو هيئات تهتم بشكل حقيقي وجاد بالمسرح، وليس شكلًا أو حبرًا على ورق، بل تعتني بالمسرح وكُتاب النصوص المسرحية، وتوفر لهم كل ما يلزم من دعم إن وجدت في نصوصهم ما يستحق أن يُقدم ويظهر إلى النور، بالإضافة إلى إنشاء معاهد أو أكاديميات يتم فيها تدريس فنون المسرح وعناصره وأنواعه وطريقة كتابته وتمثيله وصولًا إلى الإخراج المسرحي الذي برأيي هو أحد أسباب الفجوة والتأخر لشح وجود مختصين في الإخراج المسرحي ليظهر بالصورة المطلوبة كما كُتبت”.
مشاركة :