من يرسل أسلحة إلى الأطراف المتحاربة في اليمن يتحمل مسؤولية الكارثة الإنسانية الحاصلة هناك، تقول الأمم المتحدة وتذكر اسماء عدة دول متورطة. وحتى ألمانيا يجب أن تشعر بأنها مقصودة من وراء ذلك، كما يرى راينر زوليش. حتى نهاية سبتمبر/ أيلول يجب على الحكومة الاتحادية في برلين أن تتخذ قرارا صعبا. مع حلول هذا التاريخ يجب عليها أن تقرر ما إذا كانت ستنهي ما يُسمى قرار "وقف صادرات الأسلحة" من ألمانيا إلى " البلدان المشاركة مباشرة في حرب اليمن" أو تمدده أو تشدده. ويأتي الضغط لتخفيف الحصار أو انهائه بشكل ملحوظ من البلدان الأوروبية الشريكة مثل فرنسا وبريطانيا إضافة إلى صناعة الأسلحة المحلية. في هذا الإطار يدعو الشركاء إلى "الالتزام بالعقود" الخاصة بالمشاريع المشتركة في منطقة قلما تجد فيها أوروبا اليوم شركاء موثوقين. وبدورها تخشى صناعة الأسلحة المحلية على صفقاتها وتحذر من خسران مواطن العمل المحلية. واجب أخلاقي وصحيح أن يتم النظر بهذا كله. كما انه صحيح أن لا تلتزم السياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية على الصعيد الدولي فقط بمبادئ أخلاقية، فأطراف الحرب في اليمن تستمد أسلحتها من جهات مختلفة ليس لها وازع في كسب المال الكثير من وراء حرب وحشية. وأطراف الحرب في اليمن لا تعتمد بالضرورة في قصفها وقتلها اليومي على إمدادات غير مقيدة من شركات التسليح الألمانية. فما هي إذن الجدوى من منع أطراف النزاع في عين المكان من الوصول إلى أسلحة ألمانية فيما تقوم في النهاية أطراف أخرى بمليء هذا الفراغ وتحقق ربما مكاسب "أفضل" من وراء الموت الحاصل في اليمن؟ رغم ذلك فإن استمرار العمل بوقف صادرات الأسلحة الألمانية ضروري، لا بل أعتبره واجب سياسي وأخلاقي! فإذا كان لبلدان أخرى قلق أقل إزاء تصدير أسلحة أو معدات عسكرية إلى أطراف الحرب، فإن هذا لا ينبغي أن يكون بالنسبة إلى أصحاب القرار السياسي في ألمانيا سببا للقيام بالمثل. إن القيام بهذا يتنافى مع جميع قيم السياسة الخارجية والأهداف التي أخذتها الجمهورية الاتحادية على عاتقها باعتزاز منذ تأسيسها. وهذا يتنافى ـ حتى ولو بدون وضوح مع المضمون ـ لكن مع روح الدستور الألماني. إضافة إلى ذلك فكما في السياسة والحياة على حد سواء: إذا لم يكن أحد على استعداد للمضي قدما في دفع قضية مهمة، فإنه لا شيء سيتغير بسرعة في وضعها. راينر زوليش: محرر شؤون الشرق الأوسط من يكسب من وراء الموت؟ كشف تقرير أممي يوم الثلاثاء (3 سبتمبر 2019) مرة إضافية بشكل فظيع كيف تتصرف أطراف الحرب بوحشية في اليمن. فهي تستغل البلاد لأهدافها الاستراتيجية ولحربها بالوكالة لاسيما بين ايران والعربية السعودية. والتحالف الحربي الذي تقوده العربية السعودية يقصف بدون وازع أخلاقي منشآت مدنية مثل المدارس أو المستشفيات. والمتمردون الحوثيون المدعومين من قبل ايران يطلقون ايضا النيران على مناطق سكنية ويواجهون مثل خصومهم الاتهامات بارتكاب التعذيب والاغتصاب والاختطاف. وعلاوة على هذا توجد حسب الأمم المتحدة إشارات بأن أطراف الحرب رغم الأزمة الإنسانية الكارثية يعرّضون الناس للجوع عن قصد للتأثير على مجرى الحرب لصالحهم. إنها حرب قذرة ومهينة للبشر لا يمكن لأي طرف فيها البرهنة على امتلاكه "أيادي نظيفة"، كما لاحظ أحد معدي التقرير الأممي . وهذا ينطبق أيضا على مسانديهم من الخارج: من يرسل إلى هناك أسلحة، فإنه يتحمل بوضوح المسؤولية. كما أن الأمم المتحدة تلفت الانتباه إلى أنه يجب أن يُنظر إلى صادرات الأسلحة من ايران وكذلك من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا على أنها تورط محتمل في جرائم الحرب. وإذا ما تقرر في نهاية سبتمبر/ أيلول تمديد وقف صادرات الأسلحة الألماني لبلدان حرب اليمن، فلا يحق أن يرتبط الأمر بمواصلة تخفيف هذا الأخير. إذ بالعكس يجب تشديده أكثر. لأنه يوجد بشكل فاضح الكثير من الثغرات والقواعد الاستثنائية بحيث أن المنتقدين المعارضين في ألمانيا مثل الخضر يتحدثون عن " قرار وهمي " من شأنه فقط تهدئة الرأي العام. ومثال واضح على الكم الكبير من الثغرات في القرار هو الإمارات العربية المتحدة التي حصلت في النصف الأول من عام 2019 على صادرات أسلحة بقيمة تجاوزت 206 ملايين يورو من ألمانيا. فيما تبقى الإمارات العربية المتحدة حتى بعد تغيير استراتيجيتها الأخير تجاه السعوديين وانسحاب وحداتهم المفترض متورطة عسكريا في حرب اليمن، كما أنها تمد الميليشيات المتحالفة معها هناك والمرتزقة بأسلحة حديثة. هذه الأسلحة يمكنها أيضا إزهاق أرواح أشخاص. راينر زوليش
مشاركة :