بعد نصف عقد على التدخل العسكري السعودي في اليمن، هناك أمر واحد يتسم بالوضوح وهو أن نهاية الكارثة لا تبدو قريبة المنال، كما يعتبر راينر هيرمان من صحيفة فرانكفورتر ألغماينه. أطفال الحديدة في صورة تحكي مآسي الحرب السعودية على اليمن خمس سنوات عقب بداية الحرب في اليمن لا تظهر نهاية الكارثة في الأفق. والفاعلون من الخارج الذين يشنون حربا بالوكالة تعبوا من ويلاتها. فالعربية السعودية التي تدخلت لأول مرة في 26 مارس/ آذار 2015 بضربات جوية في الحرب الأهلية المتصاعدة في البلد المجاور تتمنى التراجع، لكنها لا تجد استراتيجية للخروج. والإمارات العربية المتحدة سحبت وحداتها من اليمن، لكنها تواصل شراء خدمات القبائل والميليشيات التي تقاتل من أجل مصالح أبو ظبي. وبالنسبة إلى إيران فإن الحرب في اليمن تفقد أهميتها، لأن موت الجنرال قاسم سليماني أثر بقوة على الجمهورية الاسلامية التي هي مجبرة الآن على تكثيف مواردها للحرب ضد فيروس كورونا. فترة قصيرة لإنهاء الحرب وبالرغم من ذلك الحرب لا تنتهي حتى ولو أنها حسب الأمم المتحدة تسببت في أكبر مجاعة على الصعيد العالمي خلال السنوات المائة الماضية، إضافة لتسببها في تفشي الكوليرا. وفي نهاية السنة الماضية انفتحت نافذة لإنهاء الحرب سياسيا. على هذا النحو أجرت الحكومة السعودية والحوثيون الذين تدعمهم ايران محادثات بهدف تخفيف التصعيد، لاسيما على الحدود السعودية اليمنية. ومع المعركة حول محافظة ومدينة مأرب انغلقت تلك النافذة مجددا. وماتزال مأرب تخضع لسيطرة وحدات حكومة هادي المدعومة من السعودية. لكن الحوثيين على وشك غزو مأرب. وبذلك يحصلون على منفد في اتجاه حقول النفط وطرق رئيسية. وبإخضاع مأرب سيتحكمون في كامل شمال اليمن مع الحدود المتاخمة للسعودية. وإذا ما انتصر الحوثيون في المعركة، فإن أكبر كارثة إنسانية خلال الحرب ستقع وستنتقل إلى مناطق أخرى وستنتهي المحادثات السياسية. وكمنتصرين سيصبح الحوثيون أقل استعدادا لقبول حلول وسط. بدأ ولي العهد الحالي محمد بن سلمان كوزير دفاع جديد في 2015 حرب اليمن بهدف منع تسلم الحوثيين السلطة لوقف توسع التأثير الايراني في جنوب شبه الجزيرة العربية. غير أنه لم يحقق هذا الهدف بالرغم من تحالف عسكري دولي تشارك فيه أيضا دول غربية. وقد أعادت عمليات القصف اليمن عدة عقود إلى الوراء، والناس ازدادوا فقرا والبلاد زادت انقساما. راينر هيرمان، المحررفي صحيفة فرانكفورتر ألغماينه اليمن يذّكر بأفغانستان محمد بن سلمان كان على بينة سيئة أو تم تقديم استشارة سيئة له عندما قرر التدخل في الحرب الأهلية الدائرة رحاها بين حكومة هادي والحوثيين، لأن التاريخ يبين أن الفاعلين الخارجيين ليس بإمكانهم الفوز في الحرب. وفي كثير من الأمور يذّكر اليمن بأفغانستان: الجبال تصعّب خوض الحرب التقليدية والقبائل وليس الحكومة المركزية تسيطر على البلاد ومجموعات صغيرة من محاربين تبسط هيمنتها على مناطق وعلاوة على هذا جعلت القاعدة من البلدين مناطق تقهقر. والقيادة السعودية تلقت الإنذار في خريف 2015 وظنت أنها مجبرة على التحرك بالاشتراك مع الإمارات العربية المتحدة، لأن ايران استغلت الفرصة بعد تقوية الشريط الشيعي من طهران إلى البحر المتوسط لتثبيت قدمها الآن في شبه الجزيرة العربية. والفرصة أُتيحت أيضا، لأن القيادة الحكومية للحوثيين على الأقل في السنوات الأولى كانت أفضل من الحكومات الموالية للسعودية ـ والحوثيون كان لهم بالتالي دعم بين السكان. القلق من يمن حر وديمقراطي والعربية السعودية كانت تخشى أن يتجذر وراء حدودها الجنوبية القابلة للاختراق في اليمن عدوان لدودان: ايران أو كبديل عنها الإخوان المسلمون الذين فازوا منذ الانتفاضة العربية في 2011 بجميع الانتخابات في العالم العربي. والإمارات كانت تشعر هي الأخرى بهذا القلق المزدوج. فالسعودية والإمارات تقفان في النهاية على سدة الثورة المضادة. فلا أحد كان يرغب في أن يوجد يمن ديمقراطي على أهم مضيق استراتيجي، باب المندب كونه المدخل إلى البحر الأحمر. وكنتيجة لهذا التدخل ينزلق اليمن على غرار ليبيا في حرب أهلية دائمة. والإمارات العربية المتحدة جعلت من جنوب اليمنوجزيرة سقطرة تابعا لها. ويبقى شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون قيدا في أرجل السعوديين. وإلى حد الان فشلت جميع مبادرات المجتمع الدولي لإنهاء هذه الحرب. ويجب على هذا الأخير أن يتهيأ ليعوّل الناس في اليمن طويلا على مساعدته الانسانية. راينر هيرمان
مشاركة :