بداية يجب الاعتراف بأن مسألة الدعم ليست أكثر الموضوعات جاذبية، وعندما يتعلق الأمر ببلوغ الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة الذي ينص على: ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مستدامة، يبدو أن واضعي السياسات والممارسين قد سلكوا إلى حد بعيد سبيلا آخر لتحقيقه. فقد تركزت معظم أنشطة العمل التحليلي على مدى الأعوام العشرة الماضية على سبيل المثال لا الحصر على إحداث تحسينات في التكنولوجيا ونماذج الإدارة، ومشاركة القطاع الخاص، والتشجيع على تغيير السلوكيات، والحفاظ على الموارد المائية وحمايتها، وتعبئة التمويل التجاري. وواقع الأمر أننا لا نشكك في أهمية هذه الموضوعات، لكنها جميعا جزء من الحل وليست الحل كله، بيد أننا نرى أن هذا الحوار ينطوي على إغفال جانب مهم. ففي كل البلدان، يشكل الدعم سمة رئيسة من سمات قطاع مياه الشرب والصرف الصحي. وينشأ الدعم حينما يدفع المستخدم ثمنا لمنتج أو خدمة أقل من التكلفة التي يتحملها مقدم هذه الخدمة، وهو ما يجعل طرفا ثالثا -مثل دافعي الضرائب عن طريق الحكومة، ومستخدمين آخرين، والأجيال المقبلة- مسؤولا عن دفع باقي الحساب. ومع أن الدعم أداة أساسية تستخدمها الحكومات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فإن سوء تصميمها يقوض في أغلب الأحيان السعي لتحقيق الهدف منها، بل ينحرف بأداء الخدمات عن المسار الصحيح. ولذلك يتطلب تيسير الحصول المنصف على خدمات ميسورة التكلفة لإمدادات المياه والصرف الصحي أن يكون الدعم أكثر ذكاء. يستكشف تقريرنا المعنون "عمل الكثير بالقليل .. دعم أكثر ذكاء لمياه الشرب والصرف الصحي" الذي تم إعداده بدعم جزئي من الشركة العالمية للأمن المائي والصرف الصحي مسألة كيف يمكن استخدام الموارد العامة الشحيحة بمزيد من الفاعلية لتعميم الحصول على خدمات مياه الشرب والصرف الصحي. وفي هذا التقرير نتناول بالتحليل الأداء الحالي لأنظمة الدعم في هذا القطاع، ونقدم إرشادات إلى واضعي السياسات بشأن كيفية تحسين تصميم أنظمة الدعم وتنفيذها لتحسين كفاءتها وفاعليتها في تحقيق أهدافها ويتضمن التقرير ثلاث رسائل رئيسة: - لم تنجح الأنظمة الحالية لدعم إمدادات مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي في تحقيق أهدافها بسبب سوء التصميم، وتتسم في الأغلب باتساع نطاقها، وتكلفتها الباهظة، وسوء توجيهها، وافتقارها إلى الشفافية، وآثارها التشويهية. تضخ الحكومات في شتى أنحاء العالم أموالا في أنظمة دعم إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي -نحو 320 مليار دولار سنويا- باستبعاد الصين والهند. ويعادل هذا نحو نصف في المائة من إجمالي الناتج المحلي على الصعيد العالمي. وإذا اقتصر النظر على الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، يرتفع ذلك الرقم إلى ما بين 1.5 و2 في المائة. ونظرا للمبالغ الطائلة من الموارد العامة التي تنفق في هذا المجال، من الضروري أن تحقق أنظمة الدعم ما تتوخاه وتهدف إليه. بيد أن أنظمة الدعم الحالية يغلب عليها سوء التوجيه، والافتقار إلى الشفافية، وأنها ذات آثار تشويهية. وفي كثير من الأحيان لا يصل الدعم إلى المستحقين من الفقراء وتستحوذ الأسر الأكثر ثراء على نصيب الأسد منه. وتظهر أبحاثنا أن في المتوسط في البلدان العشرة ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي شملتها الدراسة، ينتهي المطاف بنسبة 56 في المائة من الدعم في جيوب أغنى 20 في المائة من الأسر، ولا يجد طريقه إلى أفقر 20 في المائة سوى 6 في المائة. وفي الوقت ذاته، يحول نقص الشفافية دون اتخاذ واضعي السياسات قرارات مدروسة بشأن تصميم الدعم وتخصيصه، ويسهم في نقص وعي الجمهور بالآثار السلبية الضارة، بل يتيح للجهات الفاعلة في القطاع ستارا لتحويل مسار الأموال إلى حساباتهم الخاصة في المصارف. وفي نهاية المطاف، يؤدي سوء تصميم أنظمة الدعم إلى آثار تشويهية كبيرة قد تسهم في سوء استخدام الموارد العامة، وتدهور أداء مقدمي الخدمات، والإفراط في استغلال الموارد الطبيعية. لكن ليس لزاما أن تسير الأمور على هذا النحو، يمكن تفادي الضعف الذي يشوب أداء الأنظمة الحالية لدعم إمدادات مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، وجعل المعارف والتقنيات الجديدة من الممكن على نحو متزايد لخفض تكلفة الدعم وتوسيع نطاق منافعه. تظهر أبحاثنا أن أنظمة الدعم يمكن أن تصبح أدوات فاعلة وتدريجية في تقديم خدمات مياه الشرب والصرف الصحي للفقراء. وفي هذا التقرير، وضعنا خريطة طريق ليسترشد بها واضعو السياسات في سعيهم لتحسين فاعلية وكفاءة أنظمة دعم خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، وذلك على أساس فهم شامل لأداء أنظمة الدعم الحالية، وسياق الاقتصاد السياسي، وقيود القدرة على الدفع وتحمل التكاليف التي تواجهها الأس
مشاركة :