من المرجح أن يكون القرار الروسي بوقف إطلاق النار، جاء نتيجة للضغوط التركية، خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان الأخيرة لموسكو، وليس تماشيا مع رغبة المبعوث الأممي جير بيدرسون، الذي طالب من خلال إحاطته لمجلس الأمن، بوقف إطلاق النار والبدء بالعملية السياسية. كان بيدرسون تحدث خلال إحاطة له داخل مجلس الأمن الدولي، عن أن الخلاف حول إطلاق اللجنة الدستورية أصبح "بسيطا جدا"، متوقعا إطلاق أعمال اللجنة قبل نهاية سبتمبر/أيلول. بيدرسون أوضح أن الاتفاق جرى على تعيين رئيسين للجنة الدستورية، أحدهما ممثل عن المعارضة السورية، وقال إن إطلاق اللجنة يجب أن يكون مصحوبا مع تغييرات لها تأثير على أرض الواقع، بما فيها إحراز تقدم في ملف المعتقلين والمغيبين قسرا. أصولا، فإن وقف إطلاق النار يجب أن يدخل حيز التنفيذ بمجرد البدء بأعمال اللجنة الدستورية التي تحدث بيدرسون عن قرب إطلاقها؛ حيث سيكون جزءا من إجراءات بناء الثقة التي نص عليها ذات القرار الدولي، مضافا إليها كل ما جاء في البندين 13 و14 من إيصال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين. إذا كان وقف إطلاق النار، الذي أعلنه الروس، مرتبطا بتحريك العملية السياسية؛ فهو خطوة بالاتجاه الصحيح، بشرط تطبيق البنود الواردة في القرار الأممي 2254، التي تنص على وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وإطلاق سراح المعتقلين. أما إذا كان بعيدا عن التحركات السياسية؛ فهو مجرد فرصة لالتقاط الأنفاس، ثم الشروع في المعارك، وهذا يعني المزيد من القصف والقتل والتدمير وتشريد المدنيين. واضح أن الروس رضخوا للمطلب التركي بوقف إطلاق النار، وأنهم سيستأنفون القتال واقتحام مناطق خفض التصعيد بعد فترة لن تطول، بالطبع تحت ذريعة محاربة الإرهاب. بعض المصادر تشير إلى أن وقف القتال لم يكن سوى فرصة إضافية منحتها موسكو لأنقرة، من أجل قيام الأخيرة بتفكيك هيئة تحرير الشام، الذي يشكل أحد بنود اتفاقية سوتشي، لكن السؤال الملح هنا، كيف ستتمكن أنقرة بمفردها من حل هذه المعضلة المعقدة دون تعاون دولي، إذ لا يبدو في الأفق أي أثر لتعاون كهذا؟! ** هل يسعى الروس إلى إنهاء مسار أستانة؟ شهدت مناطق ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، حملة عسكرية شنها نظام بشار الأسد بدعم روسي على المنطقة، منذ أبريل/نيسان الماضي. وأدت استراتيجية الأرض المحروقة، إلى تقدم قوات النظام على الأرض وسيطرتهم على مناطق استراتيجية عدة، من بينها مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي. وتقدر الأمم المتحدة مقتل 500 مدني شمال غربي سوريا، منذ أبريل/نيسان الماضي، ونزوح ما يزيد على 440 ألفا إلى المناطق الشمالية من إدلب، وإلى المخيمات الحدودية مع تركيا، وسط الحديث عن ضعف الاستجابة الإغاثية لأزمة النزوح. الرئيس التركي أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أثناء زيارته لموسكو، بأن هجمات قوات الأسد على إدلب "تشكل تهديدا حقيقيا على الأمن القومي التركي". وجاء ذلك بالتزامن مع سيطرة قوات الأسد على عدة قرى شمالي حماة، وإطباقها الحصار على نقطة المراقبة التركية؛ ما عرض أنقرة، بصفتها الضامن للمعارضة السورية، لانتقادات كثيرة بعد خسارة الأخيرة مواقع استراتيجية هامة في إدلب وريف حماة الشمالي. استمرار الروس بدفع نظام الأسد وحلفائه إلى ارتكاب المزيد من الجرائم تجاه المدنيين في مناطق خفض التصعيد شمالي سوريا، يجعل العملية السياسية مجردة من أي معنى، ويدخلها في طريق مسدود، كما جرى على مدى السنوات السابقة في جنيف؛ بسبب مواقف النظام الرافضة لأي تقدم تجاه الحل السياسي، مقابل تعويله على الحل العسكري. وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قال إن روسيا أكدت لأنقرة أن نقاط المراقبة التابعة لها في شمال غربي سوريا لن تتعرض لهجمات. وأضاف الوزير التركي أن جيش بلاده "الذي يساند فصائل معارضة سوريا، سيغادر سوريا عند إيجاد حل سياسي"، وهذا يعني أن تركيا باقية في إدلب إلى حين إيجاد حل سياسي للأزمة. وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قال في تصريح صحفي، إن "اتفاق سوتشي المبرم في 17 سبتمبر 2018 بين روسيا وتركيا، عامل، لكن هناك صعوبات ومشاكل"، وهذه رسالة واضحة بأن الروس باتوا ينظرون إلى اتفاق سوتشي ومسار أستانة بأنهما قد أصبحا من الماضي. بات من الواضح من خلال ما تقدم، أن مسار أستانة وصل إلى نهايته، فلا هو قادر على ضبط الأمور عسكريا في مناطق خفض التصعيد، كما تريد أنقرة، أكبر مثال على ذلك حصار نقاط المراقبة التركية، ولا هو نجح في تأسيس أرضية مناسبة لعملية سياسية في سوريا، كما تريد موسكو، وهذا ما جعل اجتماع أستانة الأخير (رقم 13) بروتوكوليا صرفا، دون أي أجندة، خاليا من أي مخرجات على أي صعيد. طبيعة العلاقة الروسية ـ التركية، لا تسمح الآن بخيار العمل العسكري الواسع، وأغلب الظن أنه سيتم الاتفاق على ترتيبات جديدة. ** التفاهمات الأمريكية الروسية سكوت الأمريكان عما يجري في إدلب، إلا من بعض الخطابات الحماسية في أروقة مجلس الأمن، يعيد للأذهان اتفاق هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترامب وبوتين، بأنه ما زال قائما، وأن التنسيق بين الأمريكان والروس مستمر بخطوطه العريضة، ورغم تأخر الروس وعجزهم عن الحسم العسكري بإدلب، فإن الوقت ما زال متاحا لهم لحصار المعارضة السورية ومعها تركيا بمساحة ضيقة جدا، من أجل إضعاف أوراقها التفاوضية. ** سيناريوهات إدلب في ظل التهديدات الروسية السيناريو الأول: أن تقوم روسيا بحسم المعركة في إدلب عسكريا عبر اتباع سياسية الأرض المحروقة، باستخدام أحدث تقنياتها الحربية، وبذلك ستنتهي من المعارضة السورية بشكل نهائي. أما السيناريو الثاني: فهو استمرار روسيا باتفاق خفض التصعيد، على أن تقوم بفرض حل سياسي على مقاسها، من خلال إعادة مؤسسات نظام الأسد إلى المنطقة، وهو ما يعني فعليا إخراج تركيا من المنطقة وسيطرة النظام عليها! السيناريو الثالث: يقضي بفتح الطرق بين مواقع قوات النظام وطريق حلب ـ دمشق الدولي، الذي هو بالأساس متفق عليه بين روسيا وتركيا، وعليه ستتم السيطرة على معرة النعمان وسراقب وخان شيخون، وغيرها من المناطق الواقعة على طول القسم الشمالي من الطريق وصولا إلى مدينة حلب. التفاهمات التركية ـ الروسية وقبلها التفاهمات التركية ـ الأمريكية سابقا، كانت لا تسمح بخيار العمل العسكري الواسع، لكن السكوت الأمريكي عما جرى بإدلب في المعارك الأخيرة، يشير إلى رضى وموافقة أمريكية ضمنية عما يحدث، لذلك من المرجح أن يتم الاتفاق على ترتيبات جديدة. من بين تلك الترتيبات فتح الطريقين الدوليين، وبقاء خان شيخون وريف حماة الشمالي تحت سيطرة النظام، في مقابل بقاء وسط إدلب وشماليه بيد المعارضة، وهذا مؤداه حصار المهجرين إلى إدلب من الغوطة وحمص، ومعهم المعارضة السورية، في مساحة أصغر، من أجل إجبارهم على قبول الأمر الواقع، والرضى بالحل السياسي الذي تراه موسكو. * الآراء الواردة بالمقال لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للأناضول الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :