كانت هذه هي المرة الأولى التي يُطلب فيها من ملكة بأن تتولى الوصايا على ابن ليس ابنها، إنه الملك "تحتمس الثالث" ابن الملك "تحتمس الثاني" وزوج الملكة "حتشبسوت" والتي حرصت طوال السنوات القليلة الأولى من حكم "تحتمس الثالث" على أن تؤدي واجبها كملكة تولت الوصايا على العرش. ويُعد تحتمس الثالث من أعظم ملوك مصر القديمة، فعُرف كمحارب، وجندي لم يخسر معركة، فكان مُقاتل وقائد تحدي أهم الغزاة في التاريخ، حَوَل أمته إلى إمبراطورية عظيمة لا تُقهر، فهو عسكري نابغة ومن طراز فريد من نوعه، وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ علماء الآثار في دراسة الملك تحتمس الثالث، حيث تفقد عالم الآثار الفرنسي جاستون ماسبيرو الضرر الذي أحل بمومياؤه الوجودة الآن بالمتحف المصري بالتحرير. فكانت رأسه مفصوله عن الرقبة هذا بالإضافة إلى انفصال الأطراف الأربعة عن الجسد، كما ان الأرجل واليدين كانت مقسمة إلى قطع صغيرة، زعرف "ماسبيرو" أن تلك الغصابات التي أحلت بالمومياء ليست نتيجة للحرب، وإنما كان سببها ناهشوا القبور وسارقي المقابر، حيث قام السارقون بغخراج المومياء من التابوت الخاص بها زقابوا بنهبها وتعريتها من جميع المجوهرات التي كانت مع جسد "تحتمس الثالث"، وبعد اكتشاف تحتمس وصفه علماء الاثار بأنه "نابليون" مصر، حيث إنه قام بقيادة الجنود في الحروب التي خاضها ضد أعداء مصر. فبعد وفاة الملكة "حتشبسوت" في عام 1457 ق. م، والذي عُرف عصرها بـ "عصر السلم" زاد أعداء مصر على الحدود وبدأت تثور بعض البلدان مثل سوريا وغيرها، وهنا خرج لهم الملك المُقاتل "تحتمس الثالث" وأظهر شجاعة كبيرة، ولم ينهزم في أي من تلك الحروب والمعارك والغزوات، وقد قضى تحتمس على ملك "قادش"، واستمر الملك "تحتمس الثالث" في حكم مصر بمفردة لأكثر من ثلاثين سنة، وخاض 17 حملة عسكرية في سوريا، والكثير من الحملات في النوبة، كما أنه شيد وقام بتوسيع الكثير من المعابد في كل أنحاء مصر والنوبة. ويذكر تحتمس الثالث في التاريخ باعتباره واحدًا من أعظم ملوك مصر، ومات في العام 1425 قبل الميلاد، وتُوجد مومياؤه الآن في المتحف المصري التحرير، والتي سيتم نقلها في الفترة المقبلة إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط.وخلد تحتمس ذكرى هذه الانتصارات بإقامة بعض المباني الضخمة، غير أنه على ما يظهر قبل أن يبدأ في مثل هذا العمل قد أخذ في بناية معبده الجنازي العظيم على حافة صحراء طيبة في الجهة الغربية من النيل، على مسافة قريبة من معبد "الرمسيوم" الحالي، وأمام هذا المعبد وبالتحديد في الجهة الشرقية تقع الحقول، وفي الجهة الغربية على مسافة ثلاثة أرباع ميل بعيدًا عنه تشرف الصخور، التي كان معبد الدير البحري العظيم الذي أقامته "حتشبسوت" ملاصقًا لواجهتها؛ وهذا المعبد الذي بدأ إقامته "تحتمس الثالث" أطلق عليه اسم "منحة الحياة"، وكان يتألَّف من ثلاث ردهات، الأولى يصل إليها الإنسان من بوابتين عظيمتين أُقِيمتَا من اللبن، وربما كانتا مكسوَّتين بالحجارة التي لم يَبْقَ منها شيء، والردهة الثانية بُنِيت في مستوًى أعلى بقليل من الردهة الأولى، وكانت مكسوَّة بالحجر الجيري الأبيض، وتوصل إلى الردهة الثالثة بطريق منحدر، وكانت هذه كذلك مكسوَّة بالحجر الجيري، أما جدران المعبد فكانت من الحجر الرملي والحجر الجيري، وجدرانه محلَّاة بنقوش جميلة ملوَّنة بألوان زاهية. وقرب نهاية حكمه بدأ تحتمس الثالث بعملية تدمير منظم لتماثيل زوجة أبيه وشريكته في العرش الملكة "حتشبسوت" وصورها ونقوشها، ومدوناتها، ولم يمحو إلا التماثيل والصور التي أظهرتها في صورة حاكم لمصر، لكنه ترك تلك التي تظهر فيها "حتشبسوت" باعتبارها الابنة الملكية، أو الزوجة الملكية، ويرجع بعض هذا التدمير إلا أن عملية وجود حاكم على مصر باعتباره امراة أمرًا معايًا للإلهة "ماعت" وان وجود "حتشبسوت" باعتبارها فرعونًا أو حاكمًا على عرش مصر يمكن أن يصبح مثالًا خطيرًا لغيرها من نساء العائلة الملكية.
مشاركة :