موسكو: «الخليج» بعد أن جابت مسارح العالم على امتداد ما يزيد على عقد من الزمن، حشدت مسرحية النمرود لمؤلفها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، جمهور المسرح في العاصمة الروسية موسكو، لتملأ قاعة مسرح «غوركي» أعرق المسارح الدولية في روسيا، وتسدل الستار على حكاية «طاغية الأرض» وسط هتاف وتصفيق تواصلا حتى بعد أن أدى الممثلون تحيتهم وتواروا في الكواليس. وافتتح الممثل الإماراتي بطل المسرحية الإماراتي أحمد الجسمي ليلة العرض بكلمة أكد فيها أن مسرحية النمرود تجسد رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة في تبني رسالة الفن الداعية إلى المحبة والسلام والخير، ليدعو بعد ذلك إلى منصة التكريم كلاً من الشيخ فاهم القاسمي رئيس دائرة العلاقات الحكومية بالشارقة، وأحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، ومعضد حارب الخييلي سفير دولة الإمارات في روسيا، وعبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، وأندرية جلميزا، مدير معرض موسكو الدولي للكتاب. نسج إبداعي وبلوحات مسرحية متقنة، قدّم العمل سرداً تاريخياً أبدع في سينوغرافيته وإخراجه الراحل التونسي المنصف السويسي، ولعب دور البطولة فيه أحمد الجسمي، وجمع حوله جمهوراً ضمّ نخبة من المثقفين الروس وعدداً من الشخصيات الرسمية، حيث تطرق العرض إلى سرد حكاية «النمرود بن كنعان» حاكم بابل، والملك الآشوري الذي عُرف عنه الجبروت والطغيان وظلم الأبرياء وسفك دمائهم، لتطرح المسرحية فكرة الظلم وآثاره في الإنسان والمجتمع.ويتسّم النصّ برؤيته الفكرية والتاريخية بكونه عملاً يمرّر الرسائل والمفاهيم والقيم الإنسانية النبيلة ضمن لغة مسرحية عالمية، صالحة لكل زمان ومكان، فحكاية النمرود بن كنعان إسقاط فلسفيّ على واقع الحياة والعالم وما يدور فيها من تداعيات الظلم والتسلّط الذي يهيمن على الإنسان، في صور تعبيرية وبصرية ترجمت إيقاعات الحكاية التي أراد لها السويسي أن تكون ذات معانٍ وإيحاءات تربط الماضي بالحاضر، وتعمّق العلاقة بين الممثل والمتلقي، والانسجام الذي خلقته خيوط الموسيقى التي وضعها المؤلف إبراهيم الأميري، لتوصل المسرحية رسالة سامية تعمّق من المسؤولية المشتركة تجاه الإنسان حول العالم. أداء وفي براعة لافتة، عمّق أداء الجسمي من سرد الحكاية، فقد نجح في تقمّص الشخصية وإتقان دورها، فاستطاع من خلال القناع الذي ارتداه والذي يعبر عن ملامح النمرود القاسية، أن يروي بلغة استثنائية، ترجمها بإيقاعات الجسد ومرّر من خلالها الحبكة من دون تعقيد أو تكلّف، فقدّم دلالات فنية عبّرت عن مكانة الشخصية ودورها المحوري في العمل، إلى جانب الأداء الباهر الذي صاغه نخبة من الممثلين الذين انسجموا مع أدوار شكّلت بمجملها حاشية الملك، وعسكره، ومخبريه، ليقدموا الصورة كما أراد لها النص، ووظفتها السينوغرافيا التي دمجت ما بين عوامل الإضاءة والموسيقى في الحوارات، وليقف الجمهور شاهداً على مرحلة باتت نموذجاً للقهر والاضطهاد. وفي تعليقه حول حضور الشارقة في موسكو، قال عبد الله العويس، «في ظل العطاء الثقافي المتنامي الذي تشهده الشارقة، تستمر الإمارة في حضورها النوعي بالعواصم الأوروبية والعالمية، وها هي اليوم تحلّ ضيفاً مميزاً على معرض موسكو الدولي للكتاب، في مشاركة تعبر بصدق عن مدى الاحتفاء بالثقافتين العربية والإماراتية، والذي لم يأتِ من فراغ وإنما نتيجة جهود رعاها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من خلال دعمه للثقافة العربية وعنايته بالثقافة العالمية والإنسانية».وتابع حول تقديم مسرحة النمرود أمام الجمهور الروسي: «تسجّل الشارقة اليوم محطتها الثانية في العاصمة الروسية بعد أن حلّت بحمولتها الثقافية في مدن وعواصم أوروبا الشرقية بعد أن اختتمت مشاركاتها في مسابقات ثقافية استضافتها كلّ من هنغاريا ورومانيا، تمثلت في تقديم الشارقة لإصدارات مبدعيها، وعروضهم المسرحية الإماراتية، واليوم شهد مسرح غوركي في العاصمة الروسية موسكو، أحد أهم المسارح العالمية عرض مسرحية النمرود التي تأتي استكمالاً ناجحاً لمسيرة تجوالها العالمي، بعد أن شهدت مسارح كندا وإسبانيا وبريطانيا وأيرلندا وعدة دول أوروبية أخرى عرض المسرحية، وهو ما يجعلنا جميعاً أمام مشهد ثقافي متكامل تقوده الشارقة، ويحتفي به العالم أجمع». طاقم ويلعب دور البطولة إلى جانب الفنان أحمد الجسمي كلّ من: محمد جمعة (مُخبر الملك الضحّاك)، وعبدالله مسعود (قائد جيش النمرود)، وأحمد عبدالرزاق (وزير النمرود)، وعبدالله بن حيدر (كابي الحداد)، ومحمد يوسف (الملك شالح صاحب خزانة النمرود)، وكوكبة من ألمع الممثلين الإماراتيين والعرب، كما يشرف الفنان محمد العامري على الإدارة الفنية للعمل، ووضع موسيقاها التصويرية الموسيقار إبراهيم الأميري.ويأتي تنظيم مسرحية «النمرود» خلال مشاركة الشارقة ضيفاً مميزاً على فعاليات «موسكو لكتاب»، حيث تسجل الإمارة التكريم الأول لمدينة عربية في تاريخ المعرض الذي انطلق في الرابع من سبتمبر / أيلول، ويستمر حتى يوم غد الأحد لتكون الشارقة سفيرة للثقافتين الإماراتية والعربية في الجمهورية الروسية، وتعرّف من خلال هذه المشاركة بمشروعها الثقافي الذي وضع رؤيته صاحب السمو حاكم الشارقة، منذ ما يزيد على أربعة عقود.
مشاركة :