قصص قصيرة تتداخل مع أجناس أدبية أخرى

  • 9/7/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في مشروعها القصصي الجديد “كان ثمة عتبة” تخطو القاصة مجدولين أبوالرب، خطوة واثقة، على طريق تجديد نصها على صعيدي الفكر والجمال، حيث تتوسع في ما تتناول من قضايا، تتوزع بين ما هو ذاتي وما هو اجتماعي وما هو وجودي، ويجمع هذا التناول في تعدده، وعيٌ يدركه المتلقي حين يتمثل نصوص “كان ثمة عتبة” وعي إبداع، لا مجرد وعي نظري، ولا وعي تجربة حياة. غير أن وعي الإبداع، طالما كان نتيجة تفاعل مع الوعيين المذكورين، والوعي الجمالي، قد يكون في حالات نادرة واستثنائية، ليس نتيجة هذا التفاعل، ويكون إفصاحا ذاتيا عن موهبة استثنائية هي الأخرى، غير أن مثل هذا الوعي الجمالي في ندرته واستثنائيته، لا يتكرر دائماً ولا يقاس عليه، ولا يقترن بجميع محاولات الإبداع. التجنيس الأدبي إن نصوص “كان ثمة عتبة” بقدر ما تنتسب إلى القص القصير، حتى في بعض شروطه النظرية، غير أنها تتمرد على هذا النسب، في اقترابها من جنس ما اصطلح عليه، القصة القصيرة جداً، وهو اقترابٌ فحسب، يترك مسافة واضحة بينه وبين الشائع من تجارب القصة القصيرة جداً، ومن كتابات تعبر عنها وتُنْسَبُ إليها. ويبدو لي، أن الكاتبة، تُدرك وهي تكتب، ما أدركته في قراءتي نصوصها هذه، من تفرّد وتميّز، إذْ تبتعد بهذا القدر أو ذاك، عن القصة القصيرة في نماذجها الشائعة، ولا تدخل فضاء القصة القصيرة جدا، بحدودها الضيقة، وبخاصة على صعيد الشكل والتقنية، إذ تتشابه كثير من نصوص القصة القصيرة جدا، في الشكل والتقنية. نصوص المجموعة بقدر ما تنتسب إلى القص القصير، حتى في بعض شروطه النظرية، غير أنها تتمرد عليه وينفلت بعض كتّاب القصة القصيرة جداً، من هذه الحدود الضيقة، إلى انفتاح اللغة الشعرية، التي صارت هي الأخرى من الثوابت التي تقود إلى التكرار من جهة، وتبعد ما يكتبون عن فضاء السرد، من جهة ثانية، من دون أن تحقق له مكانة أو مكانا في فضاء الشعر. إن ما يؤكد هذا الإدراك أنها اختارت وصف “أقاصيص” لنصوصها هذه، وهو جمع أقصوصة، وهي القصة الصغيرة، حيث ينصرف المعنى إلى الحجم لا إلى الجنس، لكن لا بد من أن نعترف بأن القصة القصيرة جداً، دخلت في محيط تجنيس النصوص السردية، بما يميزها أو بمحاولات تمييزها، وإن كانت هذه المميزات أو محاولات ابتداعها ما زالت في مرحلة التجريب، وهي في سبيلها إلى التغيير والإضافة، وهذا أمرٌ طبيعي في جميع مجالات الإبداع، فليس من ثوابت في الإبداع. وإن كان ثمة ثوابت، فهي مما يميز مرحلة زمنية أو توجهاُ مدرسياً، ومهما بلغت من الحضور والتأثير، وحققت كلاسيكيتها، أي حضورها في التاريخ الإبداعي، الإنساني منه والقومي، فإن ما يأتي بعدها، يضيف إليها، بعد أن يتمثّلها، والفرق كبير بين التمثّل وبين التكرار والاستنساخ. لغة السرد أخيرا، لا بد من وقفة عند لغة القاصة مجدولين أبوالرب، في مشروعها هذا، وهذه الوقفة محاولة لتأكيد تميز وتفرد نصوص “كان ثمة عتبة” إذ لم تفرط باللغة السردية وتتكئ على اللغة الشعرية التي تمنحها حريةً في الاقتراب من الموضوع، بل كانت في معظم نصوصها، إلا في استثناءات نادرة، تشتغل بلغة سردية واضحة وجميلة وقادرة على فتح مجالات التواصل مع القارئ. وفي لغتها هذه، كان ميزانها دقيقا، في التعبير عن الموضوعات التي تناولتها، وهي كما أشرتُ من قبل، إلى توسعها في ما تتناول من قضايا وموضوعات، كما أنها في مجال التقنية، لم تحاصر نصها بتقنية واحدة أو بعدد قليل من التقنيات، بل كانت تعدد تقنياتها، مما منح عملها هذا، حيوية وجمالاً. وبجملة هذه المكوّنات، أرى أن في “كان ثمة عتبة” ما يغري بالقراءة والتأمل، والتوفر على إمكانية التواصل والحضور.

مشاركة :