قصص قصيرة جدًا.. ومواضيع أخرى

  • 10/14/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كل شيء له نهاية، ويبدو أن «القلم» يعيش أيامه الأخيرة مع شديد الأسف فالتكنولوجيا التي تتطور بسرعة البرق سوف تطيح به شئنا أم أبينا...الخيمة الأبناء مجتمعون وفرحون، أخيرًا حان الموعد وسوف يرسمون الابتسامة على وجه أبيهم. يتقدم الابن الأصغر من بين كل أخوانه نحو الأب: أبي تعال معنا، لقد أحضرنا لك مفاجأة..! يصعدون إلى السيارة جميعهم مسرعين وينطلقون، والجميع يبتسم بوجه الآخر. تتوقف السيارة بعد فترة قصيرة، وينزل الجميع أمام بيت فخم وجميل..! تتوجه الأنظار باتجاه البيت، فيتقدم الأخ الأكبر نحو بابه الكبير. كل أفراد العائلة تدخل إلى البيت، فيوجه الأب أنظاره إلى حديقة البيت ويفحصها بنظراته. يصرخ الأخ الأكبر مبتهجًا: هذا سوف يكون بيتنا. يتقدم الأب نحو الحديقة: هنا سوف تكون خيمة جميلة لنا، وضعف حجم خيمتنا التي عشنا فيها سنوات طويلة. تختفي الابتسامة من وجوه الجميع، فالأب لم يستوعب أنه سوف يترك خيمته التي عاش فيها لاجئًا ويسكن في بيت جميل وفخم، وتوقع أن أبناءه نقلوه إلى حديقة البيت حتى ينصب خيمة له.الخسارة الباهظة جالس على القمة، عيناه ممتلئة بالحزن، يمسك بكلتا يديه الركام وبعد أن يتفحصه بنظرات ثاقبة يرميه بعيدًا، يبدأ بالحساب وطرح الأرقام المختلفة بشكل هستيري غريب. هذه بخمسة، وتلك بعشرة، لا هذه كلفة أكثر، يتقدم شاب نحوه حتى يصل إليه، ينظر إلى الركام وحالة الرجل المزرية: يا عم ابتعد عن البيت، لقد دمر جراء القصف، ابتعد أرجوك فنحن في حرب - يا بني اتركني فأنا أحسب خسارة عمري ومالي. يعود الرجل بطرح الأرقام كما في السابق، ويبتعد الشاب قليلاً عنه، ويلتفت بوجهه نحوه: يا مسكين لقد خسرت كل شيء، ولم يتبقَ لك سوى أن تحسب سنوات عمرك الذي ضاع، وأنت تبني هذا البيت المقصوف.الشاعر لا يتحدث إلا عن الشعر أناء الليل وإطراف النهار. يتمنى الجميع أن يسمعوا رأيه أو تعليقه عن أي شيء مهما كان ما عدا الشعر..!! فكر أكثر من مرة بأن يغير اسمه الجميل إلى «شاعر» أو يغير لقب عائلته المعروفة إلى تسمية «الشاعر» ولكنه لم يرد أن يحرج أفراد أسرته. إن كل هذا حدث عندما تمكن في هذه السنة من نشر قصيدتين قصيرتين من إبداعه في الجريدة المحلية، ومنذ ذاك الوقت وهو متقمص دور الشاعر ومؤمن به ويرفض التنازل عنه..؟؟المفاجأة كعادتها يحين الآن موعد كوب عصير البرتقال الذي تجلبه الزوجة لزوجها، تتقدم وهي مبتسمة وتضع كوب العصير على الطاولة وتعود للمطبخ. رمى الزوج الجريدة التي كان يقرأها على الطاولة، وإذ يهتز كوب العصير لأن الجريدة جاءت باتجاهه، ويسكب مبللاً الطاولة. أمسك الزوج الجريدة، ومسح بها العصير المسكوب لعدة دقائق، توجه إلى المطبخ ووضع كوب العصير وجلب معه قماشة لمسح الطاولة لأن الجريدة لم تكن كافية، ومسح الطاولة وصعد لغرفته. يمر الوقت وينظر إلى الساعة، وإذ هي الساعة العاشرة مساء، ولم يسمع صوت زوجته، فخرج من غرفته متجهاً للسلم، وإذا به يسمع الصوت: لقد انتهيت الآن من إخراج ثيابي المخبأة، وزوجي الآن نائم فلقد شرب العصير الذي فيه المنوم، وأريد أن أتسلى فهو كاتم على أنفاسي طوال اليوم. نزل الزوج والتفتت الزوجة، وصفق الزوج بيديه بقوة. لقد انتهت المسرحية، وانكشف كل شيء.الفخ هو وصديقه يركزان على الشاشة الضخمة، يبدأ بالكتابة على لوحة المفاتيح بسرعة مذهلة. يلتفت إلى صديقه وهو يبتسم بخبث: لقد قارب على الوقوع، هيا استعد. يقرب صديقه فمه إلى الميكرفون، ويتحدث بصوت أنثوي ناعم: دعني أرى صورتك عبر الكاميرا يا حبيبي..!! يؤشر بيده المتحدث إلى صديقه، فيمسك الميكرفون وهو فرح: اسمع يا هذا، لقد سجلنا حديثك وصورتك فادفع لنا قبل أن نفضحك وأعطيك مهلة يوم واحد. يطفئ الجهاز، ويلتفت بوجهه باتجاه صديقه: الآن سوف نحصل على مبلغ ضخم، وعليك الآن البحث عن شخص آخر حتى نضحك عليه ونبتزه.«سانشو بانثا» المتواجد دومًا الشخصية الثانية بعد «دون كيخوطي»، أو كما يحب البعض أن يسميه «دون كيشوت» في العالم العربي ولا أعرف بصراحة لماذا..؟؟ إنه الشخص السمين الذي يملك كماً من السذاجة لا يمكن وصفه، والذي أحبه الكبار قبل الصغار وهذه الشخصية الطريفة قام بابتكاره الكاتب الأسباني العالمي الغني عن التعريف «ميجيل دي ثيربانتس» في روايته التي نشرها على جزئين والتي اعتبرت من أهم الأعمال الأدبية العالمية والتي ترجمت إلى عدة لغات. هذا الإنسان الذي يتبع سيده وصاحبه ويصدقه بكل شيء يقوله ويفعله، حتى أنه صدق بكل بساطة أنه سوف يصبح حاكمًا للجزيرة بعدما وعده «دون كيخوطي» بهذا المنصب. «سانشو بانثا» شخصية خيالية موجودة في هذه الرواية هذا ما يتوقعه البعض، ولكن بالنسبة لي هو شخصية موجودة في كل مجالات الحياة من دون استثناء فأنا كل يوم أتفاجأ بوجود أشخاص مثل «سانشو بانثا». الجهل المطبق والجري وراء السراب، والافتقار إلى الحكمة ولغة العقل هذه ميزات وخصائص «سانشو بانثا» الذي اتبع «دون كيخوطي» الذي فقد عقله. إنني أراهن كل من يقرأ موضوعي القصير هذا أنه يعرف على أقل تقدير عشرة أشخاص قريبين منه مثل «سانشو بانثا»..؟؟ «ميجيل دي ثيربانتس» ابتكر شخصية لا يمكن أن تمر مرور الكرام على مر العصور، فشخصية «سانشو بانثا» يعاني منه كل بني البشر من دون استثناء، ونحن كل يوم ندفع ثمن أخطاء ارتكباها أشباه «سانشو بانثا» المتواجدين على أرض الواقع. في النهاية أتمنى للجميع أن لا يتعرضوا في حياتهم لشخصية مثل «دون كيخوطي» وتابعه الغبي «سانشو بانثا» فنحن بغنى عنهم.وداعًا يا قلم لا أذكر بالتحديد متى آخر مرة أمسكت القلم بها واستخدمته وبدأت بكتابة موضوع أو قصة أو قصيدة قصيرة..؟؟ إنني أحاول أن أنبش ذكرياتي رأسًا على عقب باحثًا عن التاريخ المحدد، ولكنني فشلت نعم فشلت في بحثي فأنا أكتب كل شيء عبر جهاز الكمبيوتر منذ وقت طويل، حيث أصبحت أصابعي تقفز هنا وهناك فوق لوحة المفاتيح الصغيرة، وأحدد حجم الخط الكبير ونوعه ودائمًا أختار لون الخط وهو الأسود، ويظهرُ تحت الأخطاء الإملائية خطٌ بالأحمر! القلم أصبح مكانه في جيبي كما هو حال المنديل أو جهاز الموبايل أو نظارتي، لا أخرجها إلا ما ندر للتوقيع أو كتابة سطر أو سطرين كحد أقصى في مكان عملي، وبعدها يعود في جيبي حتى يشاء القدر وأتذكره أو قد أضعه في جيب قميصي كنوع من الزينة. قال لي في أحد المرات أديب عزيز على قلبي بأن جهاز كمبيوتره قد تعطل، واضطر أن يكتب موضوعاً أدبياً في بيته ولكنه فشل حتى أنه اشمأز من خطه مما جعله يذهب إلى مبنى الجريدة التي يعمل بها وكتب موضوعه عبر جهاز كمبيوتره الموجود في مكتبه. كل شيء له نهاية، ويبدو أن «القلم» يعيش أيامه الأخيرة مع شديد الأسف فالتكنولوجيا التي تتطور بسرعة البرق سوف تطيح به شئنا أم أبينا، قد نجد بعض ممن يتمتعون بلذة استخدام القلم وبجمالية الخط العربي الذي كنا في السابق نأخذ دروس في المدرسة لنتعلم جماليته، لكن سوف يصبحون من محبي «التراث» وفئة قليلة للغاية.

مشاركة :