في الواقع الذي نعيش تختلط الامور حتى تصبح دون ملامح نستطيع من خلالها كشف الحقيقة، نحاول جاهدين ان نرى بعض من تفاصيل صورة التقطت في غفلة من الزمن وفي ضوء خافت يزيد من عتمة التفاصيل. هذا بعض من الدخول في عمق الفهم الذي اصبح مشوشاً مبهماً يحول دون الوصول الى وقائع تجعل من الحيرة عنواناً عريضاً لفهم ظاهرة التطرف والارهاب في عالمنا العربي تحديداً، والذي امسى بؤرة لتنامي الظاهرة ومقراً رسمياً لها دون غيرها من مناطق العالم، أصبح للتنظيمات الارهابية ملاذاً آمناً سيطرت من خلاله على مساحات واسعة من دول قائمة اختلطت حدودها الجغرافية حتى كدنا ننسى كيف كانت قبل ماحدث من انسلاخ جعلها منفصلة عن واقعها. نعرف اننا قبل سنوات ليست بالبعيدة سمعنا عن (الفوضى الخلاقة) و(الشرق الاوسط الجديد) ورأينا تلك الايام ان ردة الفعل العربية بشكل خاص كانت انفعالية مناهضة لتلك المشروعات التي كانت تهدف الى ايجاد جغرافيا سياسية جديدة لواحدة من اهم مناطق العالم اقتصاديا ودينيا، وإعادة صياغة المنطقة بما يناسب التطلعات الغربية تحديدا ويوافق مصالحها، كما راينا ان تلك الطروحات لم تعد موقع الاخذ والرد كما كانت وقت طرحها، بل انها تلاشت واصبحت طي النسيان.. والكتمان! أرى ان تلك المشروعات الجيوسياسية لازالت مطروحة ولكن بعيدا عن الطرح الاعلامي والنقاشات السياسية، ربما اخذت الشكل العملي اكثر من الشكل الذي يطرح على وسائل الاعلام ويكون قابلا للاخذ والرد. وما نراه في واقعنا ان (الفوضى الخلاقة) و(الشرق الاوسط الجديد) اصبحا واقعا نعيشه، فما نريد اكثر من حروب اهلية وضد الارهاب في اربعة دول عربية؟ ماذا نريد اكثر من ذلك حتى نصدق ان الافكار تم تجسيدها بل والتعايش معها كواقع مؤلم مر. الأمور اختلطت حتى أصبحت دون ملامح نستطيع من خلالها كشف الحقيقة وحتى تنفذ تلك الرؤى السياسية والاقتصادية يجب ان تكون هناك ادوات على الارض تكون اليد التي تنفذ ما تم التخطيط له في المكاتب المغلقة واروقة دوائر الاستخبارات استغلالا للاوضاع التي ساهمت وبشكل كبير في صعود نجم التنظيمات الارهابية ايا كانت مسمياتها او دوافعها.. هي في النهاية ادوات للتنفيذ قد تستمر لسنوات وقد تنتهي في اقرب مما نتصور وذلك حسب الحاجة لها او انتفائها. (القوة السوداء) كتاب لايتحدث عن ظاهرة الارهاب بقدر ما حاول ان يكشف حقيقة تنظيم (داعش) من خلال وثائق قال انه حصل عليها بطريقة او اخرى، الكتاب حاول ان يلقي الضوء على كيفية نشأة التنظيم وبدايته وفكره العقدي واستراتيجيته وايضا ولاءاته، لنا ان نأخذ بما كتب أو نتعداه لما يكون اكثر توثيقا من خلال مصادر معلومات تكون على قدر على من الثقة ودقة المعلومات. ما يلفت الانتباه في الكتاب ويكون اقرب الى الحقيقة ان التنظيم يتحالف مع من يكون في سبيل تحقيق اهدافه إضافة الى ان الاهداف الحقيقة التي قام عليها تختلف عن الاهداف المعلن عنها، وان رداء الدين الذي ارتداه ولقي صدى في نفوس الكثيرين ممن غرر بهم واتبعوا وهما ادى بهم الى متاهات عجزوا عن الخروج منها وربما ادت بهم الى حتفهم وهذا ما حصل في كثير من الاحيان. لايمكن لاي تنظيم كان ان يظهر على السطح وان يكون بتلك القدرة على الاستيلاء على مناطق شاسعة وان يكون عناصره يرتدون زيا موحدا ويصدر اشرطة ذات جودة عالية وان يكون ذلك كله بجهود ذاتية وامكانات لاتتوفر للكثير من التنظيمات المشابهة، فنحن راينا عناصر القاعدة كما عناصر التنظيمات الاخرى الذين لايملكون نفس الادوات ولا حتى نفس الفكر التنظيمي على مستوى ذاك الذي يملكه (داعش)، فهذا التنظيم مختلف في كل شيء، يتبع اساليبا لم نعهدها من قبل وعناصره ترتدي ملابس عسكرية موحدة وسلاحا من ذات النوع، فمن اين له كل ذلك؟ الكثيرون يعتقدون، ولهم الحق في ذلك، ان (داعش) ليس نتاج فكر متطرف وحسب بل انه وجد ليكون مهددا للامن القومي العربي وما ادل على ذلك الا تواجده في بؤر الصراع معلنا عن نفسه وبكل قوة، هو بذلك يتمدد جغرافيا في الدول العربية التي تشهد حروبا اهلية ليزيد من استعار نيران الفوضى في اركانها وحتى لا تعود كما كانت، بل ويحاول ايجاد مناطق جديدة يتمدد فيها قدر الامكان. لا يمكن للعقل ان يصدق ان تنظيما نشأ بهذه السرعة وذاك الانتشار وتراتبية فكرية عسكرية لم تخترق حتى الان ويكون نبتا شيطانيا. منطقتنا العربية مهددة وامننا القومي في خطر.. المواجهة حتمية والتعامل معها يجب ان يكون نتيجة لفكر استراتيجي يشمل الجانب الامني والفكري بخطين متوازيين.. فالمعركة ليست معركة سلاح وحسب انما هي معركة وجود لابد ان ننتصر فيها وان نصطف من اجلها ليس من اجلنا فقط ولكن من اجل اوطاننا وابنائنا ومستقبل وجودنا.
مشاركة :