د. ناجي صادق شراب يبدو من القراءة المسربة إعلامياً عن بعض بنود وتفاصيل «صفقة القرن» أن هذه الصفقة لا يمكن فهمها وفهم ما تضمنه من رؤى وحلول ومقترحات بعيداً عن الإطار الفكري والأيديولوجي لجاريد كوشنر ومعه جرينبلات (المستقيل) وفريدمان، هذا الثالوث الفكري يستقي فكره العام من نفس فكر الرئيس دونالد ترامب الذي يقوم على الشعبوية اليمينية الزاحفة في الولايات المتحدة وأوروبا و«إسرائيل»، وهذا التحالف الشعبوي الجديد هو الذي يقف وراء هذه الصفقة. فالأساس فيها ليس التعامل مع مبادئ العدالة المطلقة ونظريات الحقوق المشروعة، ومن له حق، ومن ليس له حق. فنظرية الحقوق من منظور هذا الفكر لن تحقق أي تسوية؛ ولذلك فشلت الحلول التي قدمها جون كيري وزير خارجية الرئيس أوباما الذي قام بالعديد من الزيارات المكوكية للمنطقة، وكانت كل أفكاره وحلوله تصطدم بالفكر اليميني الذي يرفض فكرة الحقوق والتسوية. فهذه الصفقة التي ينصح بعض المحللين بها، إدارة الرئيس ترامب بعدم الإفصاح عنها؛ لما قد تجلبه من أضرار للمصالح الأمريكية، وتدفع بسيناريوهات قد تخرج عن سيطرة الولايات المتحدة، وتتيح فرصة كبيرة للنفوذ الإيراني؛ ليحرك خيار المقاومة الفلسطينية، وفي ظل هذا السياق قد تضيع كل ما قامت به الإدارة الأمريكية ضد إيران، ومع ذلك يبدو أن هذه الإدارة وحسابات الثالوث الأمريكي رأت أن هذا هو الوقت المناسب لطرح الصفقة وتنفيذها استناداً إلى نظرية القوة والحاجة التي تحكم علاقة الولايات المتحدة بالمنطقة.«صفقة القرن» تقوم على نظرية قوة القوة على الحقوق. وفي سياقها يتوقع العالم المكاسب القاسية؛ بفضل القوة والواقعية. فأفكار ترامب تقترب كثيراً من المدرسة الواقعية التي تقوم على القوة في العلاقات الدولية، والتي تنظر للنظام الدولي على أنه قوى تتنافس وتتصارع فيما بينها انطلاقاً من مصالحها الوطنية والحيوية العليا. وهو ما يحكم شعار «أمريكا أولاً»، والمقصود به مصالح أمريكا أولاً. وفي خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2018 أكد ترامب أن بلاده تتبنى نهجاً واقعياً في سياساتها. وفي وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي أشار إلى أن الولايات المتحدة تواجه تهديدات وتحديات كبيرة، وأشار أيضاً إلى ظهور قوى تسعى لإجهاض مصالح الولايات المتحدة، إضافة إلى دور القوى المارقة التي تقوم على تطوير أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل، ويقصد بذلك إيران وكوريا الشمالية. وأشارت الوثيقة إلى خطورة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تسيطر على مساحات شاسعة في الشرق الأوسط، وأن هذه الجماعات تحمل تهديدات عابرة للحدود، وأشارت الوثيقة أيضاً إلى عودة القوى المنافسة كالصين وروسيا. مظاهر نظرية القوة مارستها الولايات المتحدة في الكثير من المواقف والقضايا؛ مثل: الانسحاب من اتفاقية المناخ؛ والاتفاق النووي مع إيران؛ وفي العقوبات التجارية حتى على أقرب الحلفاء؛ مثل: أوروبا وكندا والمكسيك والصين. نظرية القوة والاعتقاد أن ما تريده واشنطن تحصل عليه؛ بفعل أنها القوة الوحيدة في العالم، وأن ما تريده الآن هو فرض «صفقة القرن»، التي يعتقد ثالوثها الأمريكي الذي صاغها برئاسة جاريد كوشنر أن بالقوة يمكن فرض هذه الصفقة، وخصوصاً على الجانب الفلسطيني والعربي الأضعف. والنظرية الثانية التي تحكم «صفقة القرن» هي نظرية الحاجة، والمقصود بها الحاجة لقوة الولايات المتحدة؛ لمواجهة التهديدات والمخاطر التي تواجه دول المنطقة. وقد استغلت واشنطن المخاطر والتهديدات التي يشكلها السلوك السياسي الإيراني وتدخله في العديد من الدول العربية كما في اليمن وسوريا وحتى فلسطين؛ بدعم «حماس» و«الجهاد»، وانتشار خطر الجماعات الإسلامية المتشددة التي تشكل تهديداً مباشراً لأمن الدول العربية؛ وحيث إن الدول العربية تمر بمرحلة لا تحسد عليها، فهنا تقدم الولايات المتحدة نفسها على أنها الوحيدة القادرة على لجم السلوك الإيراني ومواجهة الجماعات الإسلامية، هذا الأمر بلغة السياسة الأمريكية الجديدة له ثمن يتمثل بقبول الجانب المتعلق بالدول العربية من «صفقة القرن»، ومن خلالها ينتهى الصراع العربي «الإسرائيلي» في مستواه الإقليمي، وينحصر في نزاع ثنائي فلسطيني «إسرائيلي». هذه هي النظريات الثلاث التي تفسر لنا إلى أين ستذهب «صفقة القرن»؛ القوة والحاجة وادعاء الحماية. drnagishurrab@gmail.com
مشاركة :