طالب البطريرك الماروني بشارة الراعي الكتل السياسية والنيابية اللبنانية بـ «أن تكون على مستوى المسؤولية الحقة، وتقوم بمبادرة شجاعة متجردة عن أي حسابات شخصية أو فئوية تعلو على المصلحة الوطنية العليا، بالشكل الذي يليق بالوطن المفدى لبنان». وقال: «من المعيب والمخجل جداً أن لا تقوم الكتل السياسية والنيابية بأي مبادرة فعلية مسؤولة تخرج سدة الرئاسة من أزمة فراغها القاتل للجمهورية، وللدستور والميثاق الوطني، ولكرامة وطن وشعب». وكان البطريرك الراعي قلد نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس وساماً بابوياً رفيعاً من رتبة قائد منحه إياه البابا فرنسيس تقديراً «لشخصه ولمبادراته الإنسانية والإنمائية دعماً للكنيسة الساعية إلى نشر ثقافة المصالحة والسلام في لبنان والشرق الأوسط، وتعزيز الوجود المسيحي فيهما للحفاظ على تقاليد الشرق المتنوع دينياً وثقافياً»، وفق ما جاء في البراءة البابوية الخاصة بالوسام، التي تلاها القيم البطريركي في روما المونسنيور طوني جبران، في خلال اللقاء التكريمي الذي أقامه فارس للبطريرك الراعي في دارته في باريس. وحضر الاحتفال سفير لبنان لدى الاونيسكو خليل كرم، سفير جامعة الدول العربية بطرس عساكر، القائم بأعمال السفارة اللبنانية في فرنسا غدي خوري، وأصدقاء إضافة إلى عقيلة فارس السيدة هلا ونجله نجاد وابنته نور. وألقى فارس كلمة شكر فيها البابا فرنسيس لقيادته الكنيسة الجامعة بروح العدل، وخاطب البطريرك الراعي قائلاً: «خطابكم صوت لبناني صادق، أثبت للعالم أن ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب، حملتم لبنان في ضميركم وبكل الحرص والإخلاص، ناديتم بصوت عال ليسمع أنين الوطن من له أذنان سامعتان، والمؤلم أنه عاد يسمع اليوم خطاباً لبنانياً غير جامع وتدخلات خارجية مؤثرة، حالت كلها، دون انتخاب رئيس للبنان رمز وحدته». وسأل: «على من تقع المسؤولية؟ أهي على النظام اللبناني أم على الأفرقاء ككل أو على بعضهم؟ ومن هو المستفيد من انهيار لبنان؟ إننا، إذ لا نزال نعول على هذا الجهد الذي تبذلونه على مذبح الوطن، نعاهدكم أن نبقى دوماً إلى جانبكم يداً بيد، ونراهن على همة اللبنانيين المخلصين، لنعمل سوية على إنقاذ لبنان، ليبقى لؤلؤة هذا الشرق ومنارته». ورد الراعي بكلمة هنأ فيها فارس «الشخصية المطبوعة بروح الخدمة والانفتاح وتبني هموم الآخر وقضايا العدالة والتنمية». وقال: «يسعدني أن أعلق على صدركم الكبير الوسام الرفيع الذي يمنحكم إياه البابا فرنسيس، وسام غريغوريوس الكبير من رتبة كومندور، تقديراً لكم ولعائلتكم التي تحيط بكم ولمعاونيكم في مؤسساتكم». وأضاف: «هذا الوسام وجميع الأوسمة الرفيعة والمتنوعة التي منحتم إياها، كلها منحت لكم عن استحقاق كبير لما أنجزتم من أعمال، والاستحقاق الأكبر بما أعطيتم لبنان على المستوى السياسي، سواء في الندوة البرلمانية لعهدين، أم في الحكومة كوزير ونائب لرئيس مجلس الوزراء في 3 حكومات، فكنتم المثال في ممارسة السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعطائكم وتفانيكم وتجردكم وكبر نفسكم. وأننا نخالكم تتألمون جداً للحالة التي وصلنا إليها جراء سوء ممارسة هاتين السلطتين في لبنان العزيز». وقال: «نقيم هذا الاحتفال بفرح كبير، ولكن بغصة خانقة بسبب الفراغ الرئاسي في لبنان، الذي يطوي اليوم بالذات شهره الحادي عشر، وبسبب ما آلت إليه البلاد من شلل وفوضى وفساد بنتيجته، كما وبسبب الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في العراق وسورية واليمن، ودائماً في فلسطين والأراضي المقدسة. وما نأسف له بالأكثر عدم اكتراث الأسرة الدولية وعدم الجدية وفقدان الإرادة الطيبة، لإيجاد حلول سليمة وإيقاف دوامة الحروب، والعمل المخلص لإحلال السلام العادل والشامل». وخاطب فارس بالقول: «إزاء ما نشهده في لبنان والمنطقة، وإزاء الصفات المميزة التي أنعم الله عليكم بها، نقول لكم إن وطنكم لبنان بحاجة إليكم فلا تتركوه أو تنسوه في معاناته». وترأس الراعي قداساً احتفالياً في كاتدرائية سيدة لبنان في باريس، وألقى عظة قال فيها: «إننا نصلي لكي يخشى الله أمراء الحروب والمتقاتلون والمحرضون على الحرب بمد السلاح والمال والدعم السياسي، وأن يوقفوا بموآزرة الأسرة الدولية الحرب في فلسطين والعراق وسورية واليمن، رحمة بالمواطنين الأبرياء، وأن يعملوا جاهدين على إحلال السلام العادل والشامل والدائم بالطرق السلمية. ونصلي من أجل المسؤولين السياسيين في لبنان، كتلاً سياسية ونيابية، لكي تتحمل مسؤولياتها التاريخية، والإسراع إلى انتخاب رئيس للجمهورية». وأكد أنه «مهما كانت الأسباب والحسابات، فإن عدم انتخاب رئيس هو انتهاك فاضح للدستور والميثاق الوطني، وطعن في كرامة الوطن وشعبه». وقال: «على رغم هذا كله نسعى مع القريب والبعيد ومع الدول الصديقة وفي مقدمها فرنسا النبيلة، لإنجاز هذا الاستحقاق الرئاسي، قبل أن ينهار الهيكل على رأس الجميع».
مشاركة :