هل نحن في حاجة إلى هيئة للمواصفات القيادية؟

  • 9/10/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من أهم الهيئات التي تم إنشاؤها منذ نحو 50 عاما: هيئة المواصفات والمقاييس نظرا لأهمية ضبط المواصفات، والمعايير للمنتجات والخدمات، وأجهزة القياس، وخلافه، فمن دونها ستكون لدينا إشكالات عديدة في التعامل مع المعدات التي قد تهدد حياة الناس إجمالا. لكن ألا تتفقون معي أننا في حاجة إلى هيئة تضبط اختيار المعايير والمقاييس الخاصة باختيار القيادات الوطنية؟ ألا ترون أننا في حاجة إلى هيئة تضع المواصفات والمعايير اللازم توافرها في قيادات المؤسسات والهيئات الحكومية؟ ألا ترون أننا في حاجة إلى هيئة موصفات ومقياس للقيادات تتولى تقييم الكفاءات البشرية عبر استحداث قواعد بيانات للكفاءة القيادية الأكثر تأهيلا؟ ألا ترون أن وجود هذه الهيئة سيسرع من تحقيق أهدافنا التنموية وتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة في تسريع إنجاز برامج التحول الوطني المختلفة الداعمة لـ"رؤية المملكة 2030"؟ هذه الهيئة التي أدعو إلى تأسيسها من الضروري أن يكون إطار عملها مقتصرا على تعيين القيادات التنفيذية للمؤسسات والهيئات الحكومية لكون متطلبات تعيين الوزراء في كل الدول تعتمد على عوامل ليست فنية ومهارية بحتة بالضرورة، وإنما غالبا ما تحكمها عوامل متعددة متأثرة بطبيعة الأولوية السياسية والاقتصادية والتنموية للبلاد، والنظام الأساسي للحكم لكل بلد. من المشاهد أن الوزراء لدينا يختلفون في طريقة اختيار الفريق القيادي الذي يعمل معهم، فمنهم من يهتم بتعيين من يعرف know how، ومنهم من يركز على الذكاء العاطفي Emossional Interngent وهو القدرة على امتصاص غضب الناس وكسب قلوبهم بغض النظر عن الكفاءة المهنية، ومنهم من يهتم بجوانب مرتبطة بالقدرة القيادية على إدارة المشاريع، بخلاف التعيين لأسباب شخصية وخلافه. لذا فكثير ما يقال: إن أول إجراء يعمله الوزير الجديد إعادة الهيكلة وتغيير الكادر الذي كان يعمل لدى الوزير السابق، ما يعني أن الاختيار ليس للكفاءة وإنما لعوامل أخرى قد لا تكون مهنية بالضرورة. حديثي هذا لا يتعارض مع أهمية إعطاء الوزراء حرية تعيين الأشخاص الذين يتعاملون معهم بصورة مباشرة بشرط أن يكونوا مستشارين في مكاتبهم أو يزاولون أعمالا مرتبطة بالوزير مباشرة من سكرتارية وخلافه. أما إذا كان التعيين على المستوى القيادي للمؤسسات والهيئات الحكومية، فمن الضرورة تحديد آلية مهنية تحكم هذه التعيينات نظرا لانعكاس أثرها مباشرة على سرعة تحقيق برامج التحول الوطني بل في كثير من الحالات قد يؤدي ضعف اختيار الكفاءات إلى ضعف تمثيل المملكة لدى المنظمات الدولية. في علم الموارد البشرية هناك فترة تسمى فترة التعلم learning curve "في البداية كان مصطلحا نفسيا" وهي الفترة التي يستغرقها المسؤول لفهم القطاع الذي يديره. ففي حال عدم وجود خبرة ومعرفة لدى الشخص المسؤول فهذه الفترة تستغرق وقتا طويلا تصل في بعض الحالات إلى بضعة أعوام تتسم بتخبطات إدارية وهيكلية وفنية ومالية وهدر في الميزانيات بل تؤدي إلى أخطاء قد تكون كارثية. وخلال هذه الفترة يتم استبدال الوزير السابق بوزير آخر يسرع إلى استبدال فريق الوزير القديم بفريق جديد، المشكلة أن الوزير الجديد أيضا قد يكرر الأخطاء نفسها بتعيين أشخاص يفتقدون الخبرة اللازمة، ما يجعل دائرة تعيين غير المؤهلين تستمر في الدوران، ما يؤخر تحقيق بعض الأهداف التنموية وبرامج تحقيق الـ"رؤية". هل سبق لك عزيزي القارئ أن اطلعت على تقرير لأي من قطاعاتنا ذكر في ثناياه أنها تعثرت في تحقيق أهدافها لفشلها في تعيين القيادات المناسبة لها؟ أم أن معظم تلك التقارير تتحدث عن ضعف الاعتمادات المالية شماعة رئاسية في عدم تحقق بعض الأهداف التنموية؟ وهل سبق أن اطلعت عزيزي القارئ على تقرير يقيم مدى كفاءة المسؤول التنفيذي وتناغم مؤهلاته مع المهام الموكلة له؟ الحقيقة الغائبة التي ليس لها مساحة في التقارير السنوية أن جزءا من التحديات التي تواجهها بعض قطاعاتنا ليست مالية بالضرورة لكنها تكمن في عدم قدرة المسؤول على تقديم الحلول الإبداعية لكيفية التعامل مع التحديات التي تواجهها منشآتنا كغياب مهارة التفكير خارج الصندوق. البعض يلوم الشركات الاستشارية في فشل بعض القطاعات في تحقيق أهدافها، لكن الحقيقية التي لا تقال إن معظم الشركات الاستشارية تسعى إلى إرضاء الشخص المسؤول عن دفع قيمة عقدها الاستشاري وليس بالضرورة ما يحقق أهداف المنشأة. لا شك أن تعيين الكفاءة المؤهلة القادرة على تحقيق أهداف التحول الوطني وفقا لجداولها الزمنية من أهم التحديات التي تواجهها برامج التحول الوطني. فعدم وصول بعض الخدمات لتطلعات القيادة لدينا يعود جزئيا إلى كون فترة التعلم والتدريب والمحاولة والخطأ تأخذ وقتا طويلا قبل أن يدرك المسؤول الأولوية الحقيقية للمنشأة التي يديرها. لذا فمن أجل تجنب هذه الإشكالات فإننا في حاجة إلى تأسيس هيئة بمنزلة هيئة للموصفات والمقاييس البشرية تساعد المسؤول على اختيار الكفاءات المتميزة في جميع المجالات، كما تساعد المسؤول على تقييم الكفاءة التي تعمل في مختلف القطاعات، وتسهم في إعداد التقارير اللازمة لتقييم مدى تأهيل القيادات العاملة، ويمكنها توفير التدريب وتقييم مكامن القوة والضعف للقيادات العاملة في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية. فالموارد البشرية من أهم مصادر دخل الدول المتقدمة، فعظم دورها ومكانتها من أهم ما يميز الدول المتقدمة عن الدول النامية. ولي العهد -حفظه الله- صرح بإيمانه بالكفاءة الوطنية وشبه همتهم العالية بجبل طويق، كما أن له حديثا ملهما ذكر فيه أنه لا يريد أن يفارق الحياة إلا والشرق الأوسط في مصاف دول العالم، بخلاف دعمه لما يحقق برامج تحقيق "رؤية المملكة 2030" وتخفيف إدمان النفط، لذا فإن تعظيم دور الموارد البشرية المؤهلة القادرة على إيجاد الفرص وتقديم حلول للتحديات من أهم الممكنات لتحقيق هذه الغايات الطموحة.

مشاركة :