تمثل الصناعة النفطية الوجه الأبرز للتراث الصناعي السعودي بما تشتمل عليه من مصانع وخطوط إنتاج وقصص اجتماعية وإنسانية مرتبطة بتأسيس هذه الصناعة. ولهذا التاريخ عمقه الحضاري وتأثيره الاجتماعي الذي يجعل من مبادرةِ وَزارةِ الثَّقافةِ السعوديةِ بإطلاق برنامج التراث الصناعي ومسابقة التراث الصناعي مبادرة مهمة تأخذُنا إلى المحطات الأهم في رحلة بناء النهضة الاقتصادية السعودية. وتأتي صناعة النفط في مقدمة هذا التراث لأنها ساهمت بتغيرٍ هيْكَليٍّ في بنية الاقتصاد الوطني ووضعت البلاد في مصافِ أهم الدول المُنتِجَة للبترول. وفي هذا السياق تأخذنا الذاكرة إلى المهندس “ماكس ستينكي” كبير الجيولوجيين في شركة “كاليفورنيا ستاندارد أويل” المعروفة بشركة “كاسوك” التي عمل بها منذ عام 1936 م وحتى العام 1950 م عندما تحولت شركة “كاسوك” إلى شركة “أرامكو” ومع جهوده وإصراره ساهم في اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية بكميات تِجارية. عن طريق البئر المعروف باسم الدمام رقم “7” وفي شهر مارس عام 1938م تكلَّلت محاولاته بالنجاح أخيراً. تخرج السيد ستينكي في جامعة ستانفورد عام 1921 م في علم الجيولوجيا، وتوفي عام 1952 م، وقضى سنوات حياته المبكرة مع عائلته، وكان أحد تسعة أطفال لمهاجر ألماني الأصل، وفي عمر الثانية عشر غادر منزل عائلته إلى مدينة كريسنت بولاية كاليفورنيا؛ حيث حصل على عمل في طاحونة للخشب، اهتم به معلمه في المدرسة، وشجعه لإكمال دراسته، وفي العام 1917 م انضم إلى جامعة ستانفورد إلى أن تخرج في عام 1921 م بدرجة بكالوريوس في الجيولوجيا، وخلال السنوات ما بين تخرجه من الجامعة وعمله في المملكة العربية السعودية بحث عن النفط في كل من: كاليفورنيا، ألاسكا، كندا، كولومبيا ونيوزلندا. ومع العزيمة والإصرار في اختبارات سلسلة من آبار تم حفرها في مدينة الدمام خلال العام 1936 م لم ينجح أي من آبار الاختبار في الكشف عن وجود كميات تجارية من النفط، وفي ديسمبر 1936 م أجري الاختبار العميق على البئر رقم “7” وبدأ بإلحاح من ستينكي الذي طمح لاختبار مناطق أعمق خلال العام 1937 م على الحقل رقم “7”، وواجه العديد من الحوادث والتأخيرات التي أعاقت اختباراته على أعماق أكثر. وفي الأسبوع الأول من مارس 1938 م وعلى عمق 1440 متر بدأ حقل الدمام رقم ” 7 ” بإنتاج النفط بكميات تجارية ليصل لأكثر من 3000 برميل في نهاية الشهر نفسه. النجاح المتحقق في البئر رقم “7” قاد لعدد من النتائج الإيجابية، وبحلول 1940 م وصل الحقل لمستوى 12,000 برميل. وفي نوفمبر 1940 م اكتشف ستينكي حقل بقيق الضخم باحتياطي يقارب 12 مليار برميل من النفط الخام، ليسجل اسمه واحداً من أهم الأسماء التي ساهمت في ثراء التراث الصناعي السعودي. بقلم /عثمان العايدي
مشاركة :