لماذا ينادي مرشحو الرئاسية في تونس بتعديل النظام السياسي

  • 9/11/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعد أغلب مرشحي الانتخابات الرئاسية في تونس بتغيير النظام السياسي القائم بعد ثورة يناير 2011 حال فوزهم بالسباق ووصولهم إلى قرطاج. هي دعوة لا يراها مراقبون مجرد دعاية انتخابية، بقدر ما تحمل وعيا لدى أغلب المرشحين بهنات هذا النظام، الذي يوصف بـ”الهجين”. يتفق أغلب الناقدين لهذا النظام البرلماني-الرئاسي، على ضرورة تغييره ومعالجته، خاصة وأنه تأسس في فترة انتقالية لها خصوصيتها واتسمت بالفوضى والاضطراب والتقلبات. وبينما يدعو وزير الدفاع السابق والمرشح المستقل عبدالكريم الزبيدي إلى إجراء استفتاء شعبي حول تغيير هذا النظام، تعرب المرشحة عن الحزب الدستوري الحر عبير موسي عن رغبتها في “تفعيل الصلاحيات الموصولة لرئيس الجمهورية طبقا للفصل 143 من الدستور الحالي وتغيير النظام السياسي”. وتعزو رغبتها في تغييره لـ”تجنب تشتت مواقع القرار وحكم اللوبيات والكتل ذات الأغلبية”. بدوره، تعهد المرشح للرئاسية قيس سعيد (مرشح مستقل) بتقديمه حال فوزه مبادرة تشريعية من أجل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي بهدف دعم الحكم المحلي والتنمية المحلية. كما تعهد المرشح الرئاسي محسن مروزق بطرح حوار مع الأحزاب والكتل البرلمانية من أجل تغيير النظامين السياسي والانتخابي الحاليين حال وصوله إلى الرئاسة. ردود متباينة كانت ردود فعل التونسيين حيال دعوات مرشحي السباق الرئاسي إلى تعديل النظام السياسي متباينة، بين من أبدى تفهمه لتعقيدات هذا النظام باعتباره فتح الباب أمام معارك حزبية ضارية كان الشارع، المنهك من تبعات الأزمة الاقتصادية الخانقة، في غنى عنها، وبين من يراها مجرد تنصل من تهم الفشل الحكومي. وتقول مريم الكامل، وهي شابة تونسية لـ”العرب”، إن “تعديل النظام السياسي مرتبط بمصالح المرشح الفائز، فهي لتوسيع صلاحياته لا غير”. وترفض مريم فكرة التغيير. وترى في هذه الدعوة انحرافا عن مسار الأزمة الحقيقية وهي أزمة اقتصادية واجتماعية بدرجة أولى. وترى أن كل نظام له محاسن وعيوب وأن الإشكال ليس في تغييره بل في مدى قدرة السياسيين على الالتزام به واحترامه. النظام الهجين يشل العمل الحكومي نتيجة تداخل الصلاحيات بين المؤسسات الدستورية، وهو ما أضحى عاملا معطلا لعمل هذه المؤسسات خلافا لوجهة نظر مريم، يعتقد أمين،، في حديثه لـ”العرب” أن “النظام السياسي الحالي عقيم لأنه قسّم السلطة بين الرئاسة والحكومة، كما أنه يعطل مشاريع القوانين والعمل الحكومي لما تتطلبه من وقت للحصول على توافقات بين الكتل النيابية. وهو يراه معيقا لعمل الكفاءات والبرامج الحكومية”. ويتسق رأي أمين مع رأي هادي نصرالله، وهو شاب تونسي يقطن بمحافظة القصرين الداخلية، ويؤيد في تصريح لـ”العرب” تغيير النظام السياسي الحالي. ويقول “ظهرت بالكاشف محدودية صلاحيات الرئيس التي قلّصت من تحمّله كامل المسؤوليات السياسية وصعوبة تنفيذه لبرنامجه السياسي منذ تطبيق نظام شبه برلماني. وبرأيه قاد تكبيل صلاحيات الرئيس إلى صراع على السلطة وتأزم سياسي بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وعكس حالة عدم الاستقرار لدولة تسير ببطء في انتقال ديمقراطي. ويرى نصرالله أن الدعوات المتزايدة إلى تغييره هي بهدف الحد من هذا الصراع. وكان الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي قد طرح تعديل النظام السياسي، حيث أن النظام الهجين يشل العمل الحكومي نتيجة تداخل الصلاحيات بين المؤسسات الدستورية، وهو ما أضحى عاملا معطلا لعمل هذه المؤسسات. ويفسر المراقبون دعوات مرشحي الرئاسية إلى تغيير النظام السياسي برغبة الرئيس القادم في توسيع صلاحياته وتجنبا لسيناريو تجربة الحكم الأخيرة، حيث ظل ثقل الحكم بحوزة الحكومة. ويشير فريد العليبي، المحلل السياسي، في تصريح لـ”العرب”، إلى أن “النظام السياسي الحالي لا يمنح الرئيس صلاحيات واسعة تمكنه من التأثير في رسم السياسية”، مبينا أن رغبة الرئيس الراحل في تغيير النظام، كانت بهدف تجنب تشتت السلطة وحتى لا تكون الرئاسة شبه صورية. وتابع “يبدو أن جل المرشحين الحاليين للرئاسة على وعي بهذا، فهم يريدون غدا عندما يصبح أحدهم رئيسا ألا تكون يده مغلولة بالبرلمان وبرئيس الحكومة”. ويرى أن هذا النظام لا يسمح للرئيس الجديد بتطبيق الوعود التي قطعها على نفسه أمام ناخبيه. وتعاني تونس اليوم من تبعات احتدام صراع انتخابي مليء بالتجاذبات الحزبية، ومعارك سياسية حامية الوطيس، تتزامن مع السباق الرئاسي ومعارك أخرى لتصفية حسابات سياسية ضيقة بين الخصوم السياسيين. وتبرز أهم معركة سياسية في حادثة اعتقال مرشح ذي حظوظ وافرة وهو رجل الأعمال وقطب الإعلام نبيل القروي بتهم تبييض الأموال، وهو ما فسره الكثير من المتابعين بمحاولة رئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد لقطع طريق الرئاسة أمام خصومه. وأظهرت الأزمات المتتالية في تونس، حقيقة تكبيل النظام السياسي الحالي، بيد الحاكمين الفعليين الذين يستفردون بمنطق الأغلبية البرلمانية، بسياسة الدولة ومراكزها، والحياد عن شرعية البرلمان وتطبيق أهدافه الأساسية والانضباط بضوابطه الشرعية، وضياع النظام البرلماني في غياهب الصراعات السياسية المحتدة بين الأحزاب. سلطات الرئيس ورئيس الحكومة يؤيد فتحي زغل، المحلل السياسي، الآراء التي تحمل النظام السياسي مسؤولية تشتيت السلطة التنفيذية. ويضيف لـ”العرب” أن “الحقيقة التي برزت في الحقبة الأخيرة من ممارسة السلطة التنفيذية بين الرئيس ورئيس الحكومة قد بيّنت أن تركّزها في يد شخص بعينه أو حزب بعينه يضر البلد أكثر مما يفيده”. غير أنه سجل غياب فكرة تغيير النظام الانتخابي وليس النظام السياسي في وعود المرشحين. والذي اعتبره غيابا وراءه مؤامرة بين الحكام والسياسيين الذين اعتلوا مسؤولية البلد منذ الثورة إلى اليوم. ويرى زغل أن النظام الذي كان من المفروض أن ينادي بتغييره المرشحون، هو نظام الاقتراع على الأشخاص وعلى القوائم والذي تعرف به كل الديمقراطيات العريقة في العالم. هذا الانقسام حول جدوى تعديل النظام السياسي من عدمه، يتجلى بدوره في المشهد الحزبي، بين أحزاب ترى آن تغيير النظام يقي تونس من أزمات وصراعات سياسية، ما سيدعم تطبيق البرامج والوعود الانتخابية وتحسين الأداء الاقتصادي، وبين أحزاب معارضة ترى أن كل المحاولات من أجل تعديل الدستور إنما هي محاولة للعودة إلى النظام السياسي الاستبدادي القديم. ويرى عصام الشابي، القيادي بالحزب الجمهوري، أن أزمة تونس ليست في نظامها. ويقول لـ”العرب” إن “دعوات مرشحي الرئاسية لتغيير النظام السياسي للتنصل من تهم الفشل في إدارة شؤون البلاد وسوء الاستجابة لتطلعات التونسيين”، لافتا إلى أن “هذا النظام لم يستكمل مساره بعدُ”. لكن صحبي بن فرج، النائب عن كتلة الائتلاف الوطني، لا يشاطره الرأي حيث يعتقد أن النظام السياسي الحالي بلغ حدوده. ويتابع في تصريح لـ”العرب” إن “سلطة القرار منقسمة في تونس بين رئيس الحكومة ورئيس البلاد، كما أن النظام السياسي يفرض فسيفساء برلمانية”. ويحد النظام البرلماني الذي أقره دستور 2014 من هيمنة رئيس الجمهورية على الدولة. وتتوزع السلطة السياسية، وفق النظام السياسي الجديد، على ثلاث مؤسسات هي، مجلس نواب الشعب وهو البرلمان المنتخب مباشرة من الشعب، ورئيس الجمهورية المنتخب أيضا مباشرة، إضافة إلى حكومة يمنحها البرلمان الثقة.

مشاركة :