للأسف الشديد أن شعوب عالمنا الإسلامي عامة وشعوبنا العربية خاصة تجهل الحقائق التاريخية والجغرافية لأقاليمها المسلوبة، مثل إقليم "الأحواز" المسلوب على يد إيران، ولواء "إسكندرون" المسلوب على يد تركيا، إلى جانب الأقاليم السورية الشمالية المكونة من "قيليقية" و"الجزيرة الفراتية الشمالية"، التي سلبتها الدولة العثمانية بموجب اتفاقية أنقرة المبرمة بين فرنسا والحكومة القومية التركية عام 1921 مقابل اعتراف تركيا بالانتداب الفرنسي على سورية. "إيران با خوزستان زنده است" مقولةً مشهورةً باللغة الفارسية للرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي"، ومعناها باللغة العربية "إيران تحيا بخوزستان"، ويقصد به إقليم "عربستان" أو "الأحواز" الذي قامت الدولة الفارسية قبل 5 قرون بتغيير اسمه إلى إقليم "خوزستان". ومنذ عام 1925 تم فرض السيطرة الإيرانية على الإقليم، وخلع حاكمه العربي الشيخ "خزعل الكعبي"، وتغيير الأسماء العربية لجميع مُدنه وقُراه وشوارعه إلى الفارسية، وذلك على الرغم من أن أصول سكانه تعود إلى القبائل العربية الأصيلة من بني كعب وبني تميم وآل كثير وآل خميس وبني كنانة وبني طرف وخزرج وربيعة والسواعد. مقولة الرئيس الإيراني جاءت لأن إقليم الأحواز، الذي يقع على رأس الخليج العربي بالقرب من جنوب العراق والكويت، يسهم بنحو 50% من الناتج القومي الإيراني ويحتوي على 85% من النفط و100% من الغاز الطبيعي و73% من المحاصيل الزراعية المنتجة في أخصب الأراضي بمنطقة الشرق الأوسط. وتجري في الإقليم 3 أنهار غزيرة، تشكل %35 من المياه المتوفرة في إيران، وهي "كارون" و"الكرخة" و"الجراحي"، التي حُرِمَ السكان العرب من خيراتها، ليصبح سكان "عربستان" أو "الأحواز"، أفقر شعب يسكن أغنى بقاع المعمورة خصوبةً وخيرا. وبينما يبلغ عدد سكان إقليم الأحواز نحو 8 ملايين نسمة، ويشكل العرب 95% منهم، إلا أن الحكومة الفارسية عمدت إلى إضفاء الصبغة الفارسية عليه بهدف طمس هويته العربية، فقامت بتشجيع الفرس للهجرة إليه والاستيطان فيه، ومارست أساليب تهجير العرب السكان الأصليين منه، الذين يعتنقون المذهب السني ويتحدثون باللهجة الخليجية. ومنذ اجتياح الأحواز من قبل شاه إيران "رضا خان" في أبريل 1925 والإقليم يشهد الصراعات وعدم الاستقرار. ففي الآونة الأخيرة ازدادت احتجاجات عرب الأحواز نتيجة ممارسات الظلم والقمع والقهر الاجتماعي للحكومات الإيرانية المتعاقبة، التي تتعامل معهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. وفي أبريل 2006 اجتاح إقليم الأحواز اضطرابات واسعة بين السكان ورجال الأمن خلفت القتلى والجرحى واعتقل خلالها المئات من العرب نتيجة الرسالة التي نشرها "محمد علي أبطحي" مستشار الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي" وتحدث فيها عن ضرورة الحد من نفوذ العرب في الإقليم، معلنا خطته لتعديل التركيبة السكانية في الإقليم ونقل العرب إلى شمال إيران. واليوم تتمادى السلطات الفارسية بممارساتها التعسفية ضد الشعب العربي في الأحواز، فقامت بإلغاء مؤسسات الحكم السياسية والإدارية والقضائية، وإعلان الحكم العسكري المباشر، وأقامت الثكنات العسكرية والمعسكرات. كما لجأت طهران إلى إنكار حق تقرير المصير للشعب الأحوازي، وحرمانه من أبسط الحقوق والحريات، إضافة إلى اقتطاع أجزاء من إقليمه وضمها إلى المحافظات الفارسية، وتغيير ملامحها العربية وفرض الضرائب الباهظة على سكان الإقليم واستخدام كل أنواع الاضطهاد ضدهم، كتهجيرهم بعد مصادرة أراضيهم وأملاكهم. كما منعت الحكومة الفارسية محاكم الإقليم من استخدام اللغة العربية، فوضعت بذلك أكبر عائق أمام المواطن الأحوازي لضمان حقوقه، وقامت بمصادرة جميع الكتب العربية سواء في المكتبات أو لدى الأشخاص، كما منعت تدريس اللغة العربية في المرحلة الابتدائية على الرغم من وجود المادة 15 من الدستور الإيراني منذ 27 عاما، التي تنص على ضرورة تدريس لغة القوميات غير الفارسية في المدارس الابتدائية. وكان لتباطؤ عملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب العراقية الإيرانية، والتجاهل المتعمد لإزالة الألغام التي خلفتها تلك الحرب، الأثر الأكبر في قتل وجرح المئات من أبناء الأحواز. وعمدت طهران إلى حرمان سكان الأحواز من مياه الشرب والزراعة من خلال تحريف مسار روافد نهر "كارون" باتجاه المناطق الفارسية مثل "أصفهان"، وانتزاع الأراضي الزراعية من أصحابها العرب وإقامة مستوطنات فارسية تحت غطاء مشاريع صناعية زراعية لإنتاج قصب السكر والشعير والذرة. ونتيجة لأطماع ملالي إيران في المجال النووي، أصبح الشعب العربي الأحوازي الخاسر الأكبر اقتصاديا واجتماعيا. فبحجة أن إقليم الأحواز يمثل خط التماس مع الدول العربية، فقد تمت عسكرة مدن الإقليم وفرض حالة الطوارئ عليها ومصادرة الكثير من أراضيها للأغراض العسكرية. وهذا أدى لتزايد حجم البطالة بين الشعب الأحوازي إلى 50% وتراجع تصنيف إقليمه إلى المرتبة الأخيرة بين أقاليم إيران على صعيد التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وبينما يتمادى النظام الإيراني في بعثرة ثروات بلاده للصرف بسخاء على مشاريع تصدير التطرف والإرهاب وتعزيز وسائل القمع والحرمان، يعاني الشعب الإيراني إلى جانب الشعب العربي الأحوازي من غلاء المعيشة وتضخم الأسعار، ويصارع الفقر والعوز ويواجه المرض والحصار. فالإحصائيات الرسمية الإيرانية تشير إلى أن المخصصات المالية الممنوحة للأجهزة العسكرية والقمعية والإرهابية في العقد الماضي فاقت ثلاثة أضعاف ميزانيات قطاعات التربية والتعليم والصحة، وضعفي ميزانيات مشاريع البنية التحتية والخدمية. على شعوب العالم العربي، ومنها العراق وسورية ولبنان واليمن، أن تنتبه للفخ الفارسي المنصوب في طريقهم حتى لا تنتهي كعرب الأحواز الذي أصبح أفقر شعب في أغنى أرض.
مشاركة :