في أحد الأيام وبينما كنت أتصفح جريدة الحياة على الإفطار، وإذا بتحقيق وثائقي يحكي عن أزمات (المقابر) في سورية. ومن ضمن ما قرأته فيه: أن سيدة عجوز تحكي وتتباهى قائلة أن وحيدها الذي يعمل نجاراً في صناعة المفروشات، وقد صنع لها تابوتاً أنيقاً منذ ثلاث سنوات ليكون لها (مهاداً) بعد أن تموت، وقد كلفه أكثر من ثلاثين ألف ليرة؛ أي ما يعادل في حينها 300 دولار، وقالت السيدة بفخر «خبأ ابني التابوت في الورشة بعد تغليفه بعناية.. الآن صار يساوي أكثر من خمسين ألفا». غير أنها استدركت وأكملت كلامها قائلة بسخرية موجعة: «إنه أفضل حل أن يقضي المرء في انفجار ويتبعثر جثمانه فلا يحمل هم الحصول على قبر» وبما أنها تنتمي للطائفة المسيحية التي تدفن الميت مع التابوت، تابعت بحسرة «سأقول لابني أن يبيع التابوت.. أولاده أحق بثمنه في هذا الظرف العصيب». واكتشفت أنا أن كل شيء في سورية في هذه الأيام يرخص، العقار والغذاء والليرة وأرواح الناس، وكلما رخصت هذه الأشياء ارتفع سعر المقابر الذي وصل ارتفاعها إلى أكثر من (1000%)، ومن سوء الطالع أنني سمعت عن شركة من السويد تعلن عن تصنيعها توابيت فله وآخر (شكشكة)، فهي تحتوي على سماعات تتمشى مع الثورة التكنولوجية، وهي تكفي لحفظ آلاف الأغاني عالية التخزين، وشاشة عرض قطرها سبع انشات، ويمكن الاتصال باللاسلكي، وعلى شاهد القبر حافظة للأغاني حتى يتسنى لأصحاب وأقارب الميت أن يستمتعوا بالأغاني التي كان يحبها الفقيد، خصوصاً الراقصة منها، لهذا بدأ الكثير في الدول الاسكندنافية من الأولاد والبنات يفضلون إقامة (البارتيات) في مقبرة فيها مثل هذه التوابيت الجاهزة من مجاميعه. وثمن هذا (التابوت) المخدوم متواضع جداً فهو لا يزيد على (30) ألف دولار فقط لا غير ــ يا بلاش ــ هل تصدقون أن الشركة التي تصنع تلك التوابيت الفرائحية المبهجة لم تستطع تلبية كل الطلبات (!!)، فالتوابيت كلها محجوزة لمدة سنة من الآن، ومن أراد منكم أن يحجز له تابوتاً فعنوان الشركة موجود لدي، ولكن عليه أن يتحلى بالصبر والانتظار، فلا تستعجلوا الموت يا رعاكم الله فالحياة مازالت جميلة، وهذا هو ما يؤكده الشيخ عايض القرني في كتابه الموسوم بـ (لا تحزن).
مشاركة :