أكاديمي يكشف لـ«عاجل» الدوافع الخفية وراء وفاة طالب الرياض خنقًا

  • 9/12/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حدَّد الباحث الأكاديمي المتخصص في القضايا الاجتماعية خالد الدوس، مجموعة من الضوابط يمكن من خلالها الحد من تكرار المشاجرات العنيفة داخل المؤسسات التعليمية، التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى وفاة أحد الطلاب داخل الحرم التعليمي. وعلى خلفية وفاة طالب مخنوقًا؛ إثر مشاجرة طلابية عنيفة وقعت داخل فناء مدرسة «بشر بن الوليد الابتدائية» الواقعة غرب مدينة الرياض، التقت «عاجل» الباحث الأكاديمي المتخصص في القضايا الاجتماعي خالد الدوس، وناقشت معه أبعاد هذه القضية. في بداية حديثه، قال الدوس: هذه الحادثة تُعتبر حالة نادرة ودخيلة على المجتمع السعودي المحافظ؛ غير أنه من المؤسف جدًا أن هذه الحادثة الأليمة حصلت داخل البيئة المدرسية، ومعروف أن المدرسة تُعد ثاني مؤسسة اجتماعية بعد النسق الأسري من حيث أهميتها البنائية والوظيفية، ومكانتها في التأثير على سلوك الطفل ورعايته وصقل شخصيته، وتنمية مهارته ومواهبه، وتزويده بالمعلومات والمعارف، وتعزيز قيمه التربوية. وأضاف الدوس: كما هو معروف، فإن المدرسة (بشكل عام) بيئة اجتماعية مليئة بالانفعالات والمثيرات، والضغوط والتفاعلات الاجتماعية والمشاجرات، ومن خلال هذه العمليات قد يتعرض الطلبة لبعض الصعوبات والمشكلات والمثالب المدرسية، التي ربما تؤثر على تفاعلهم وقدرتهم على التكيّف السليم داخل المناخ التعليمي، وبالتالي تظهر بعض السلوكيات «اللا تكيفية الشاذة»، التي قد تعرقل سير العملية التعليمية، وتقف عائقًا في تحقيق أهدافها التربوية وغاياتها السامية. وتابع الدوس: لعل من أهم الظواهر السلبية، التي تحدث في البيئة التعليمية، وتهدد نظامها التربوي ما يسمى بـ«العنف المدرسي أو التنّمر».. وهذا المفهوم يُعرف بأنه (مجموع السلوك غير المقبول اجتماعيًا؛ بحيث يؤثر على النظام العام للمدرسة، ‏ويؤدي إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي)، فيما أوضح الدوس، أن العنف المدرسي له مظاهر وأشكال مختلفة، منها العنف البدني؛ ‏كـ«تسلط المعلمين، واستخدام العقاب، والإيذاء الجسدي ضد الطلاب، والشجار والمنازعات والخصام بين التلاميذ، وحتى بين المعلمين». وأردف الدوس: هناك أيضًا العنف المادي، مثل التخريب داخل المدرسة، والكتابة على الجدران، والعبث بممتلكات المدرسة، إضافة إلى «العنف الرمزي» كالسخرية والاستهزاء والاحتقار، إلى جانب «العنف اللفظي» كالسب والشتم، وإطلاق الألقاب المخلة بالأدب وكرامة الإنسان.‏ وعن ماهية «العنف أو التنمر المدرسي»، قال الدوس: إنها ظاهرة نفسية اجتماعية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية؛ غير أنها تختلف في معدلاتها ونسبها من مجتمع لآخر.. والأكيد أن مجتمعنا السعودي الفتي، من المجتمعات الإنسانية التي تعاني من وجود هذه الظاهرة المجتمعية داخل المناخ التعليمي، لافتًا إلى أن «العنف المدرسي ينتج عن وجود خلل في مراقبة الأبناء ورعايتهم وحسن تربيتهم، وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة، بالإضافة إلى تدهور الأساليب التربوية المدرسية وتنشئتها الخاطئة في معظم الأحيان، والتعامل بالقسوة داخل البيئة المدرسية، والتفرقة في المعاملة بين الأبناء داخل النسيج الأسري». وشدَّد خالد الدوس، على أن كل هذه العوامل «قد تُخرّج أجيالًا معادية للمجتمع ومتمردة على قيمه ومعاييره الاجتماعية الأصيلة، أو كما يسميها علماء الاجتماع «الأنومي»، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والخصائص النفسية والعقلية والاجتماعية، التي ربما تقود إلى انتشار فيروسات العنف المدرسي. وتابع الدوس: يمكن تفسير هذا السلوك الانحرافي من منظور «علم النفس الاجتماعي»، على أنه ناتج مع خلل وظيفي في التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية والثقافية، هذا الخلل أفرز (كيميائيًا) مثل هذه التصرفات المناهضة، والممارسات الخاطئة، والسلوكيات العدائية، وبالتالي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بأحد العناصر المدرسية الرئيسية (الطالب- المعلم- الممتلكات المدرسية...). وأضاف الدوس: في هذا السياق تؤكد نظرية التعلم الاجتماعية «النمذجة»، أن العنف ومظاهره، سلوك ليس فطريًا، بل يكتسبه الفرد ويتعلمه من خلال الملاحظة و«النمذجة» أو التقليد، فالسلوكيات التي يتعلمها الفرد من خلال ملاحظته للآخرين وتقليده لهم، ومشاهدة النماذج العدوانية، لها أثر بالغ في تعلم الفرد السلوك العدواني واكتسابه، كما أن الأسرة تُعتبر من المصادر الرئيسية لظاهرة العنف المدرسي، خاصة إذا كان يسودها سلوك العنف والفوضى، وعدم الاستقرار العاطفي والنفسي والعادات السيئة الأخرى، سواء بين الزوجين أو بينهما وبين أبنائهما، أو أسرة مفككة. وأردف الدوس قائلاً: يُضاف إلى ما سبق عدم وعي الأسرة بأهمية عملية التربية والتعليم، كما أن من أسباب ظهور العنف أو التنّمر ومكروباته في البيئة المدرسية، المعلم نفسه، فهو من مصادر العنف؛ حيث إن القصور التربوي والعلمي الذي يظهر به المعلم في معظم الأوقات، يشكِّل منطلقًا أو دافعًا لبعض الطلاب غير المنضبطين نحو إثارة الشغب والفوضى والتمرد على أنظمة المدرسة؛ لملء وقت الدرس الذي يصبح مملًا إلى درجة يفضلون (الطلاب) فيها ممارسة الشغب والعنف فيمن بينهم، على الاستماع أو الإصغاء للمعلم وفِهم الدرس، خاصة إذا كان (المدرس) ضعيف الشخصية، وهنا تحدث الكارثة. واختتم الدوس تعليقه على الحادثة، قائلًا: حتى لا تتكرر حادثة الموت أو المشاجرات العنيفة، التي ربما تؤدي إلى إصابات خطيرة أو نهايات مؤلمة داخل البناء المدرسي، ينبغي عدم ترك الطلاب أثناء الفسحة دون مراقبة بالكاميرات والمتابعة الدقيقة من قبل المعلمين والمرشدين، وعدم تجاهل مشاجرة بعض الطلاب داخل فناء المدرسة، مشددًا على ضرورة وضع مشرف أمن داخل كل مدرسة، شريطة أن يكون مؤهلًا للتعامل مع مثل هذه المواقف، والأحداث المدرسية بكل مهنية، وبذلك نضمن ضبط السلوك الطلابي داخل المدرسة.

مشاركة :