كثيرة هي الدلالات والرموز التي تشكل أي عمل فني صادق ومعبر، يعكس المستويين الفكري والحضاري للفنان ومقدرته الفنية والذهنية ليصل بإنتاجه إلى قلب وذهن وعقل المشاهد لكي يتذوقها وتتوافق مع اتجاهاته وفكره وفلسفته الخاصة، هذه النوعية من الفنانين هم بالطبع الأكثر صدقًا والأدق تعبيرًا في واقع معاصر مثقل بالهموم، وذلك بغية الوصول برسالتهم الفنية والذهنية إلى قلب المتلقي، التي تسعى إلى إحداث إصلاح حقيقي وتغيير سلوكي، قد يكون الذوق العام والجمال أهم هذه الوسائل على الإطلاق. من هؤلاء الفنانات الصادقات المعبرات عن خيالهن الخصب فنانتنا المعنية بالدراسة والتحليل النقدي الفنانة ثريا آل غالب، التي تخطت الصعاب من خلال تجاربها من مجرد الهواية إلى عالم الاحتراف في الفن التشكيلي، واستطاعت أن تحول لديها عناصر الخيال غير البصرية والميتافيزيقية إلى قيم بصرية ذات معنى ومغزى، وتعيد بهذا الجمال اكتشاف أشعة الشمس الذهبية وسطوعها، وتكشف الحقيقة الغائبة وسط الفن التشكيلي المشوه بالتقليد الأعمى والتكرار الفج، عندما تبوح بكل طاقتها التعبيرية، وتكشف عن مصادر النور النافذ من خلال تلك الكتل اللونية الموشومة بالحرفية، التي شكلت أداءً هرمونيًا أتاح لها بأريحية حرية التعبير عن جمال الطبيعة ذات الشهب النورانية، مكونة هذا الإحساس البديع والإدراك البصري النافذ على مسطح اللوحة، وهو ما يمكن أن نعبر عنه ونطلق عليه (الطقوس الإيمانية)، التي خلقت حوارًا جادًا بين حالتي السيولة والصلابة والنور والظلام؛ حيث تواجه بهذه التجربة الجديدة الطرد من رحم الحياة وزخمها إلى آفاق أرحب وأعم وأشمل وأجمل، وتتحدى القبح بالجمال والغث بالسمين والتجربة بالاحتراف. هالة نور: تقول الكاتبة والروائية الإنجليزية (ج.ك. رولينج Joanne Rowling): (بداخلنا النور والظلام معًا.. الجزء المهم الذي نختاره لنعمل وفقًا له وهذا ما تكون حقيقة)، أما الكاتبة والشاعرة الأميركية (مايا أنجلو Maya Anglo) فتقول: (لا شيء يطفئ النور الذي يشع من الداخل). أما جلال الدين الرومي فيقول: (ليسطع النور في أعماقك يجب أن يحترق شيئا فيك، وإذا كان النور في قلبك فستجد طريقك، وأما النور الذي في قلبك فهو نور الله عز وجل). من خلال تلك الفلسفة، هل يجوز لنا أن نتساءل: إلى أي المدارس الفنية تنتمي أعمال الفنانة (ثريا آل غالب)؟ وإلى أي محاور الإبداع النسوي تصنف..؟ فمنذ بداية مشاركتها الجادة في معرض الواعدات 2005 وحصولها على المركز الأول، الذي حفزها لإقامة ثلاثة معارض شخصية في (تياترو جدة) أعوام 2011 و2013 و2014، ونجاحها في تجربتي الخيول العربية والشرائط الضوئية، وهي التي تعشق النور والضياء في جل أعمالها - آلت على نفسها أن تقدم كل ما هو جديد من خلال تجربتها ومسيرتها الناجحة. وفق الحالة الإيمانية الطاغية والطاقة النورانية الهائلة التي انبعثت من مشاهد ضوئية كرست بها لحياتها وممارساتها وتجاربها في عالم الفن التشكيلي؛ لذا نستطيع بوضوح أن نضع إبداعها كما صنفته (بريجيت لويجار) إلى محور (إدراك الجسد) من بين تلك المحاور الأربعة في وصف الإبداع النسوي، الذي اعتمدت فيه على (التعبيرية الواقعية)؛ حيث تبرز جمال الطبيعة المعتمدة على البناء المتكامل للألوان بصورة فجة، اتكأت على الروح الصافية والنقاء الخالص، تلك الحالة الإيمانية التي أهلتها للتحليق في فضاء اللون إلى الغوص في الخيال والرؤى الحالمة والسباحة بمهارة في عالم (التعبيرية)، والتماهي مع الفطرة الطبيعية الإنسانية، وعشق النور، وعدم الوقوع في فخ العتمة والظلام الحالك، مع الجنوح بقوة إلى العشق الإيماني في لوحاتها. كل ذلك حول لديها المشاعر الخرساء إلى أشكال لونية من الظلال والنور والانعكاسات البصرية، وهو ما نشاهده في أعمالها الأخيرة في معرضها (قبس من نور)، الذي شكل فيه النور العامل المشترك الأكبر من بين تلك السحب الممزوجة بألوانها الساخنة والباردة، التي أعطت زخمًا ضوئيًا على مسطح اللوحة وبقدرة هائلة في حرفية التلوين والتشكيل في آن واحد.. وبالمساحات ذات القطع الكبيرة.. احتلت فيها أيضًا زرقة السماء وصفاؤها المزينة بالسحب البيضاء الصدارة؛ حيث يتخللها الضوء النافذ عبر هذه السحب، التي لعبت دورًا بارزًا في جل أعمالها؛ حيث ندع المشاهد فيها ليحللها بنفسه ويفسرها بطريقته حسب رؤيته وعشقه للجمال. (ثريا آل غالب) في هذه الأعمال الجميلة تعيد اكتشاف نفسها من جديد، وتقدم ذاتها لمشاهدي فنها الجميل كواحدة من صناع الجمال في الفن التشكيلي السعودي المعاصر بصفة خاصة والتشكيل العربي بصفة عامة، ويشعل (قبس من نور) عبر إضاءات وإشراقات في تجربتها التشكيلية الموشومة بالإيمان الصادق والعمل الجاد ودماثة الخلق وعشقها الجارف للفن دون سواه. *ناقد وفنان تشكيلي من أعمال ثريا آل غالب من أعمال ثريا آل غالب طلعت عبدالعزيز*
مشاركة :