عواصم - وكالات: نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالاً لأستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد ستيفن وولت، يقول فيه إن الحرب التي مضى عليها 18 عاماً، وقتل فيها آلاف الجنود الأمريكيين، وأنفقت فيها مليارات الدولارات، لم تحقق شيئاً، وعلى أمريكا الخروج منها. ويبدأ وولت مقاله، الذي جاء تحت عنوان «لقد خسرنا الحرب في أفغانستان، انساها»، بالقول إن «أفغانستان عادت مرة أخرى للأخبار، مع أن معظم المعلّقين لا يفهمون الصورة الأكبر، وظهرت في الأسابيع الماضية مقالات تشير إلى أقتراب واشنطن وحركة طالبان من توقيع اتفاقية السلام». ويقول الكاتب إن «هذه الشائعات أدت لتحذيرات مباشرة من مشككين مثل الجنرال ديفيد بترايوس فيما اعتقدت مجموعة من الصقور أن النصر قابل للتحقيق، وهناك الرئيس ترامب الراغب بمناسبة لالتقاط الصور، وفكر بدعوة قادة حركة طالبان إلى كامب ديفيد، وتوقيع اتفاقية سلام معهم، وبحسب تقارير أخرى فإنه تم إقناع ترامب بالتخلي عن الفكرة التي لم تتم مناقشتها بشكل كامل، وربما كان التشتت في البيت الأبيض سبباً أسهم في القرار الذي أطاح بمستشار الأمن القومي جون بولتون». ويعلّق وولت قائلاً إن «هذا الهرج والكلام يخفي القصة الحقيقية، هو أن الولايات المتحدة خسرت الحرب في أفغانستان». ويشير الكاتب إلى أن «كل ما يتم نقاشه الآن سواء في المحادثات مع طالبان، أو ما يكتب بصفحات الرأي، هو حجم ورقة التين المصمّمة لتغطي الفشل الاستراتيجي، بعد 18 عاماً من الحرب، وآلاف القتلى ومليارات الدولارات التي تم تبذيرها». ويقول وولت: «حتى نكون واضحين، فإن الهزيمة في أفغانستان ليست عسكرية، فطالبان لم تكن قادرة على سحق القوات الأمريكية بمعركة واسعة أدت إلى انهيار قواتها، إلا أن الهزيمة كانت من خلال الحس الكلاوزفتزي (نسبة للمنظّر العسكري الألماني كارل فون كلاوزفتز)، فبعد 18 عاماً من الحرب و(بناء الدولة)، لم يتم إنجاز أي من الأهداف التي وضعها الجمهوريون والديمقراطيون، والسبب واضح، وهو أن مصير أفغانستان لن يُحدّد على يد قوات أجنبية جاءت من مسافة 7 آلاف ميل». ويذكر الكاتب أنه وغيره حذروا من أن الظروف لمكافحة الإرهاب وبناء الدولة لم تكن موجودة منذ البداية في أفغانستان، «فالبلد معزول وفقير وجبلي، ولا توجد فيه تقاليد ديمقراطية، ولديه تاريخ طويل في مناطق الحكم المحلي المستقلة، ويمقت سكانه التدخل الأجنبي، وفيه حكومة عصية على العلاج، بالإضافة إلى أن ضخ مليارات الدولارات إلى البلد فاقم المشكلة، فيما ظل جيشها عقيماً رغم جهود بنائه». ويرى الكاتب، أن «المُبالغة في تبرير البقاء في أفغانستان بذريعة حرمان تنظيم القاعدة من الملجأ الآمن، مثير للشك، خاصة بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وتحوّل الجماعة وانتشارها في أكثر من بلد في العالم». ويعتقد وولت أن «أساس المشكلة نابع من الصعوبة الكامنة في إدارة عملية هندسة اجتماعية تقوم بها واشنطن في بلد يختلف بشكل كبير عنها، ومن هنا فإن محاولة تحويل أفغانستان لديمقراطية حديثة تعد فعلاً من الغطرسة الاستثنائية، والأهم من ذلك عندما اعتقد القادة الأمريكيون أنهم يستطيعون تحقيق الديمقراطية سريعاً، فمحاولة إعادة تنظيم مؤسسات وثقافة مجتمع آخر تؤدي لتوليد السخط والتداعيات غير المتوقعة، خاصة عندما يتم استخدام وسائل عسكرية». ويعلق وولت قائلاً: «كان هذا واضحاً منذ وقت طويل وكتبت عنه في عام 2009، (كلما أرسلنا قوات جديدة زاد تدخلنا في أفغانستان، وظهرنا كقوة احتلال أجنبي، وواجهنا مقاومة أكثر، وعليه فعلينا ألا نتوقع انتصار الولايات المتحدة)، وكتبت في عام 2011 قائلاً: (الحقيقة هي أن واشنطن وحلفاءها خسروا الحرب في العراق، وسيخسرونها في أفغانستان، أي أننا سنقوم بسحب قواتنا دون أن نحقق أهدافنا الرئيسية بشكل يضعف موقفنا الاستراتيجي)». ويقول الكاتب إنه لا يقول هذا الكلام متشفياً، أو ليقول إنه حذّر من قبل؛ لأنه لم يكن صعباً التوصل إلى هذه النتيجة، و»هناك الكثير في داخل الإدارة توصّلوا إلى هذه النقطة، إلا أن الرئيس بوش أو أوباما، وحتى ترامب، كانوا مستعدين لبلع الرصاصة وإخبار الأمريكيين بالحقيقة وتغيير مسار السياسة، وما يثير القلق أن من يدعون اليوم للانسحاب يكتبون ذلك اليوم بعد 10 أعوام، حيث ظلت أمريكا تحتفظ بقواتها طوال هذه الفترة». ويتساءل وولت عن السبب الذي جعل أمريكا تواصل الحرب، ويجيب قائلاً: «لأنها قوية وثرية، وتستطيع عمل الأشياء المغفلة والمكلفة كلها، دون أن تشعر بالألم، ولأن القادة العسكريين لم يكونوا راغبين بالاعتراف بالهزيمة، ولأن سلسلة القادة العسكريين الذين عملوا في أفغانستان ظلوا يعدون بالنصر، بدلاً من إخبار القائد الأعلى للقوات المسلحة بأنهم ينفذون مهمة ليست ضرورية، ولا يمكنهم إنجازها بثمن مقبول». ويؤكد الكاتب أن «الولايات المتحدة دولة قوية ومحظوظة جداً وذات قيم، فعلت الكثير من أجل مواطنيها ولغيرهم، لكنها ليست مثالية، ويحفل تاريخها بالكثير من الأخطاء والخيبات». ويشير وولت إلى أن «تدخل واشنطن في الحرب الأهلية الروسية كان فشلاً، فيما انتهت الحرب الكورية إلى مأزق، وكانت حربا فيتنام، كما يذكرنا أندرو بيسفيتش، فشلاً ذريعاً، ويجب ألا تقود الهزيمة في أفغانستان لانهزامية أخرى، بل إلى قرارات ذكية عن الطريقة التي تقوم بها أمريكا بنشر قواتها بأعداد كبيرة». ويختم الكاتب مقاله بالقول: «في الوقت الذي يجب ألا تتوقع فيه أي دولة الانتصار في حروبها كلها، فإنه على الأقل يجب أن تحاول دولة عظيمة التعلم من أخطائها حتى لا تكرّرها في المستقبل، والنصيحة: عليك ألا تأخذ نصيحة في السياسة الخارجية من أشخاص ثبت خطؤهم مراراً وتكراراً، وبهذا المعنى فإن رحيل جون بولتون من البيت الأبيض قد يكون خطوة في الطريق الصحيح».
مشاركة :