كيف خسرت أمريكا الحرب في فيتنام وأفغانستان؟

  • 6/24/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عندما‭ ‬سحبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬آخر‭ ‬جنودها‭ ‬من‭ ‬فيتنام‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1973‭ ‬شاهدت‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الممثلين‭ ‬لفيتنام‭ ‬الشمالية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سايجون‭ ‬وهو‭ ‬يقدم‭ ‬لهذا‭ ‬الجندي‭ ‬صورة‭ ‬صغيرة‭ ‬للزعيم‭ ‬هوشي‭ ‬منه‭ ‬كهدية‭ ‬تذكارية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يمتطي‭ ‬الطائرة‭ ‬التي‭ ‬ستعيده‭ ‬إلى‭ ‬دياره‭.‬ يومها‭ ‬تساءلت‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬عنها‭ ‬كثيرا‭ ‬ستكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬بدون‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬ظلوا‭ ‬يسندونها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أعوام‭ ‬طويلة‭. ‬ أشك‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬أي‭ ‬هدايا‭ ‬لآخر‭ ‬الجنود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬سينسحبون‭ ‬الى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كما‭ ‬أنني‭ ‬أتساءل‭ ‬عن‭ ‬المدة‭ ‬التي‭ ‬ستظل‭ ‬خلالها‭ ‬الحكومة‭ ‬الأفغانية‭ ‬الحالية‭ ‬صامدة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭. ‬ في‭ ‬فيتنام،‭ ‬اضطررت‭ ‬إلى‭ ‬المغادرة‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬طائرة‭ ‬مروحية‭ ‬من‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬سايغون‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬وشهر‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬مغادرة‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬أمريكي‭,‬‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬جيش‭ ‬فيتنام‭ ‬الشمالية‭ ‬كان‭ ‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬يستولي‭ ‬على‭ ‬عاصمة‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية،‭ ‬فكم‭ ‬ستصمد‭ ‬العاصمة‭ ‬الأفغانية‭ ‬كابول‭ ‬بعد‭ ‬انسحاب‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬أمريكي؟‭.‬ لقد‭ ‬بدأت‭ ‬الانتقادات‭ ‬والاتهامات‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬فيما‭ ‬يستعد‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬لسحب‭ ‬الجنود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬ذهبت‭ ‬سدى،‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬هجمات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬ على‭ ‬غرار‭ ‬فشلها‭ ‬الذريع‭ ‬في‭ ‬فيتنام،‭ ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬أنفقت‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬ترليوني‭ ‬دولار‭ ‬وإرسال‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬حكومة‭ ‬قابلة‭ ‬للحياة‭ ‬في‭ ‬كابول‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬حركة‭ ‬عدوة‭ ‬مصممة‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬هجماتها‭. ‬ لقد‭ ‬سمعت‭ ‬الجنرالات‭ ‬والمخططين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيتنام‭ ‬وأفغانستان‭ ‬–‭ ‬الجنرال‭ ‬وستموريلاند‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬وديفيد‭ ‬بترايوس‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬–‭ ‬وهما‭ ‬يقولان‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬الحملات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستنجح‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬اتجاه‭ ‬الأحداث‭ ‬ودحر‭ ‬حركة‭ ‬التمرد‭ ‬وتكريس‭ ‬الديمقراطية‭. ‬ ما‭ ‬من‭ ‬مسؤول‭ ‬أمريكي‭ ‬قابلته‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬كابول‭ ‬إلا‭ ‬حدثني‭ ‬مستخدما‭ ‬نفس‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سائدا‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الأمريكيون‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬السنوات‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬العسكري‭ ‬وأنهم‭ ‬سينجحون‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬تهدئة‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬وتسويق‭ ‬حكومة‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬غير‭ ‬مهيئ‭ ‬أصلا‭ ‬لإقامة‭ ‬مؤسسات‭ ‬ديمقراطية‭. ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يتكرر‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭. ‬ هناك‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفوارق‭ ‬الهامة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬فيتنام‭ ‬وأفغانستان‭. ‬ففي‭ ‬فيتنام‭ ‬خسرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬فيما‭ ‬فقدت‭ ‬قرابة‭ ‬ألفين‭ ‬وأربعمائة‭ ‬جندي‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬قتالية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭. ‬كذلك‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إرسال‭ ‬صغار‭ ‬المجندين‭ ‬الجدد‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭. ‬قد‭ ‬تصمد‭ ‬كابول‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سايجون‭ ‬وذلك‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬واصلت‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬دعمها‭ ‬بالأسلحة‭ ‬والذخيرة‭. ‬لقد‭ ‬قطعت‭ ‬أمريكا‭ ‬مساعداتها‭ ‬عن‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية‭ ‬وتركتها‭ ‬تواجه‭ ‬مصيرها‭ ‬المحتوم‭. ‬ لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬خسارة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭. ‬لذلك‭ ‬يظل‭ ‬السؤال‭ ‬يطرح‭: ‬لماذا‭ ‬تكبدنا‭ ‬الهزيمة‭ ‬في‭ ‬حربين‭ ‬تفصل‭ ‬بينهما‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬الزمن؟‭. ‬ هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسباب‭ ‬رئيسية‭ ‬تفسر‭ ‬فشل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬حروبها‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬وأفغانستان‭. ‬يتمثل‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬الأطراف‭ ‬الحليفة‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬هذين‭ ‬البلدين‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬قوتنا‭ ‬الجوية‭ ‬ومروحياتنا‭ ‬ومدفعيتنا‭ ‬وأسلحتنا‭ ‬الرشاشة،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬أعداؤنا‭ ‬يواجهوننا‭ ‬باعتماد‭ ‬تكتيك‭ ‬حرب‭ ‬العصابات‭ ‬التي‭ ‬امتازوا‭ ‬فيها‭. ‬ يتمثل‭ ‬السبب‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬قوض‭ ‬جهودنا‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬قدرات‭ ‬حلفائنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيتنام‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أضعف‭ ‬ثقة‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬وبقية‭ ‬المؤسسات‭ ‬المنبثقة‭ ‬عنها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لعب‭ ‬دورا‭ ‬سلبيا‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬فشل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬بالوبال‭ ‬عليها‭.‬ أما‭ ‬السبب‭ ‬الثالث‭ ‬والأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬فهو‭ ‬يتعلق‭ ‬بحلفائنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيتنام‭ ‬وأفغانستان‭ ‬والذين‭ ‬لم‭ ‬ينجحوا‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬منهم‭ ‬مجرد‭ ‬بيادق‭ ‬ودمى‭ ‬تقاتل‭ ‬لصالح‭ ‬أطراف‭ ‬أجنبية‭,‬‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬قوات‭ ‬الفيتكونج‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬وحركة‭ ‬طالبان‭ ‬تصور‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬قوات‭ ‬وطنية‭ ‬حقيقية‭ ‬تقاتل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬بلديهما‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭. ‬ في‭ ‬أفغانستان‭ ‬مثلت‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الجهاد‭ ‬لتخليص‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الأجانب‭ ‬حافزا‭ ‬قويا‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬الانسحاب‭ ‬الكارثي‭ ‬للقوات‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬كابول‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1842‭ ‬والانسحاب‭ ‬السوفييتي‭ ‬عبر‭ ‬نهر‭ ‬أمو‭ ‬داريا‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وهي‭ ‬تجر‭ ‬أذيال‭ ‬الخيبة‭ ‬يوم‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2021‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تزيل‭ ‬خيامها‭ ‬وترحل‭.‬   { صحفي،‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬ ‮«‬مذكرات‭ ‬مراسل‭ ‬صحفي‭ ‬أجنبي‮»‬‭.‬

مشاركة :