عندما كنت مصطفًا فوق مقاعد سرادق العزاء – في حي الصفا بجدة – مطلع هذا الأسبوع ، ذهب خيالي بعيدًا ، إلى حيث مدير مدرستنا في منتصف التسعينيات الهجرية ، ذلكم التربوي النابه ، والإداري الحازم ، الشيخ عبدالله بن يحيى . مدير متوسطة الأطاولة حينذاك . . أغمضت عيني قليلًا وعبر رؤية بانوراميه استرجاعية للماضي رأيت هذا المشهد .. ها أنا شاب طري العود مع زميلي (ابنه أحمد ، و سعيد عطيه بكري) ندخل نحن الثلاثة إلى مكتب مديرنا في الطابق الثاني بالمدرسة التي مازالت اطلالها قائمة حتى الآن شرقي سوق الربوع ، دخلنا مكتب مديرنا بخطى حذرة اجلالًا له لا فزًعا منه .. فقد كان يحمل مسحة رحمة على محياه لا تخطئها العين . . شعرت شخصيا برهبة تتغشاني ، ربما لأنها المرة الأولى التي أدخل فيها إلى مكتبه .. كنا – ثلاثتنا – نحمل إليه صحيفة حائطية عكفنا نحن الثلاثة على اعدادها لأكثر من أسبوع .. وأسميناها “الحياة” ، بسطنا صحيفتنا بين يديه ، وظلت أعيننا معلقة بعينيه وهو يتفرسها ويدقق فيها بتمعن شديد .. . وكان لسان حالنا لحظة ئذ … يا ترى – ماذا عساه سيقول لنا ؟ .. ترك الصحيفة بعد أن فرغ من قراءة عناوينها وأجزاء من متنها ـ ثم اسند ظهره على المقعد الذي كان يجلس عليه .. ابتسم لنا فيما هو يزيح نظارته ، قائلا : (ممتاز .. عملكم هذا ممتاز .. أشكركم) .. فكدنا نطير من الفرح ، على وقع تلك الكلمات الأبوية التربوية التحفيزية منه .. فقد ملأنا حبورًا ، وشحذ هممنا .. . ثم أنه بعد أن تخرجت أنا من المتوسطة ، لم ألتق بالشيخ إلا مرة واحدة ، في حفل زواج في جدة ، كان من بين ما حفزني لحضوره هو السلام على الشيخ – مديرنا السابق ، وحدث ذلك … لكنني وجدته وقد صار يتنقل على كرسي متحرك ، فطبعت قبلة على رأسه ، معتذرًا عن طول غيابي عنه . .. وفي فجر الجمعة الماضي تناهى إلى أسماعنا خبر رحيله ، وإذ بنا نفجع بوفاته ، ونردد ما يقوله المؤمنون : إنا لله وإنا إليه راجعون ابن الشيخ (أحمد) كان زميل المقعد بالنسبة لي ، جايلته ودرسنا معا ، ثم اقتربنا من بعضنا كثيرًا – في الثالث المتوسط .. أما ابنه (سعيد) فقد كنت أزوره بين مرة وأخرى ، عندما كان مديرًا لمكتب الجامعة الإسلامية في جدة .. وقد حاولت أن أقف على بعض معلومات عن الشيخ الراحل .. حيث زودني بها فضلاء …. من أبنائه وأصدقائه ومحبيه .. فكانت هذه الحصيلة : .. ولد الشيخ عبدالله بن يحيى بن عبدالرحيم البشيري الزهراني عام ١٣٤٠هـ في قرية الوهدة ، إحدى قرى بني بشير ، في منطقة الباحة .
مشاركة :