مع انعقاد قمة تكنولوجيا العقار الخليجية 2019 (GCC PropTech Time 2019) يوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2019م وبتنظيم من مجلس التنمية الاقتصادية، بالتعاون مع شركة «هيكسيجن HexGn» وبرعاية شركة ديار المحرق، والتي سلطت الضوء على حزمة من الفرص والتحديات التي تنجم عن الحلول التكنولوجية في القطاع العقاري, يصبح من الضروري البحث في امكانية، وسبل اسهام التكنولوجيا العقارية في تحقيق التنمية العقارية المستدامة بمملكة البحرين، انطلاقا من خصوصية البيئة العقارية وطبيعة تحدياتها ومجمل فواعلها الاساسية. وهذا ما نحاول تناوله بمقالين، مبتدئين من تعريف القطاع العقاري وبيان مكوناته وسماته وتحدياته في البحرين، وصولا إلى تعريف التكنولوجيا العقارية ومظاهرها ومكوناتها واثارها المحتملة في تطوير القطاع العقاري، وتحقيق تنميته المستدامة. يقصد بالقطاع العقاري Real Estate Sector مجمل المنشآت والأفراد الذين يتعاملون بشكل أساسي في إيجار أو بيع وشراء أو إدارة أو تطوير الأراضي والعقارات أو توفير الخدمات الأخرى المتصلة بها، مثل الاستشارات في التقييم المالي والهندسي واستغلال الأراضي والتخطيط العمراني واستثمارات الشركات العقارية وغيرها. وتعد أكثر الخدمات انتشارًا في هذا القطاع الوساطة العقارية بمختلف أنماطها من إيجار وإدارة وبيع وشراء وتثمين، وتسويق العقارات والأراضي فضلاً عن المؤسسات العامة والخاصة ذات العلاقة المباشرة بهذا القطاع مثل مؤسسات التوثيق والتسجيل العقاري وبنوك الإسكان والاستثمار والتمويل العقاري. فيما تعرف التنمية العقارية المستدامة بأنها تحسين نوعية الحياة في المدينة ويتضمن ذلك إلى جانب البعد العمراني، ابعادا أخرى، كالبعد الاقتصادي، والبيئي، والاجتماعي، والمؤسسي، والسياسي، وفي اطار الحفاظ على استدامة الموارد الرئيسية بما يوازن بين حق الجيل الحاضر وحقوق الاجيال القادمة. ويعد القطاع العقاري واحدا من القطاعات الاستراتيجية في مملكة البحرين ومنذ مرحلة ما قبل تصحيح أسعار النفط منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، حيث كان ولم يزل أحد أهم معايير الثروة، فهو مخزن القيمة الرئيسي وأكثر الأنشطة الاقتصادية إقبالا من قبل النخب التجارية والاجتماعية التي تنظر إليه باعتباره سندًا وأداةً للارتكاز والثبات حينما تهتز أسواق التجارة والاستثمار. وتمثل ملكية العقار والأراضي واحدة من الضمانات الهامة للحصول على القروض والائتمان من المصارف والمؤسسات المالية الوطنية والأجنبية في المملكة، ويتميز بتعدد روابطه الأمامية والخلفية بمعظم القطاعات الاقتصادية والخدمية، فهو يرتبط بحوالي مائة نشاط وله دور مباشر في الحد من مشكلة البطالة من خلال تشغيله المكاتب الهندسية، وشركات المقاولات ومكاتب الإشراف وغيرها من الخدمات وصناعة مواد البناء وصناعات أخرى. وقد شهد القطاع العقاري تطورات جذرية ملموسة ترافقت مع تزايد إيرادات النفط وما لحقها من نهضة حضارية شاملة في مختلف الميادين من جانب، والنمو السكاني الذي شهدته المملكة من جانب آخر. وتميز ذلك التطور بشموليته كما ونوعا، فقد ازداد حجم الاستثمارات العقارية كانعكاس لزيادة حجم ونوع الوحدات السكنية اللازمة للاحتياجات السكانية من ناحية، ولتلبية متطلبات نمو الاستثمارات التجارية والصناعية والخدمية من المكاتب والمقرات والبنى التحتية من ناحية أخرى، فضلاً عن التطور في هياكل ومستويات ونماذج وأنماط الاستثمارات العقارية. وعلى الرغم من الأهمية التي يمثلها القطاع العقاري في هيكلية الاقتصاد الوطني لمملكة البحرين من حيث حجمه الاقتصادي، ونسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، والقيمة المضافة التي يحققها، والموارد البشرية المواطنة التي يوفر لها فرص العمل، والصورة الحضارية التي يعكسها، والدعم الحكومي الكبير والمتعدد الأوجه الذي يحظى به، والاهتمام الشعبي الواسع بحكم ارتباطه بواحدة من أهم الحاجات الأساسية للإنسان (حاجة السكن)، وما يمثله من مجال رحب لاستثمارات قطاع الأعمال، وللعلاقات التشابكية التي تربطه بجميع القطاعات الاقتصادية الأخرى باعتباره يمثل البنية التحتية المادية الرئيسة لها، وتفاعله وتأثره بمختلف المتغيرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية الوطنية والإقليمية والعالمية. وعلى الرغم مما حققته المملكة من نجاحات مبكرة في مجال التنمية العقارية خلال السنوات الماضية، والتي توجت باعتراف عالمي تمثل بمنح صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر عام 2007 جائزة الشرف للإنجاز المتميز في مجال التنمية الحضرية والإسكان من قبل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، إلا أن هذا القطاع يواجه مجموعة من التحديات المؤثرة في تبلور دوره في مسيرة التنمية الاقتصادية المستدامة في المملكة، منها: تحديات بنيوية ناجمة عن طبيعة العناصر الأساسية المكونة للقطاع العقاري والعلاقات التفاعلية المنبثقة عنها والمؤثرة على سعة القطاع واتجاهات ووظائف مكوناته ومنتجاته الأساسية، كتلك المتعلقة بمساحات الاراضي المتاحة للاستثمار، وتخطيط المدن والقرى والتجمعات السكانية، وسعة المجمعات العقارية، وتصميم وإنشاء المساكن، استدامة الموارد الطبيعية، وضعف التخطيط العقاري الاستراتيجي، وضعف ان لم يكن غياب الالتزام بالمحددات البيئية للتنمية العقارية، ومحدودية التناغم والانسجام بين البنية التحتية والتوسع العقاري، فضلا عن محدودية وارتفاع كلفة التمويل العقاري، وغياب التعليم الاكاديمي والتدريب المؤسسي العقاري، والمنسجم مع التطورات العالمية في مجال التنمية العقارية، وضعف ومحدودية الاحترافية في الممارسة العقارية وعدم استنادها إلى اساليب علمية وحضارية تتناسب ومتطلبات المهنة وبما يرقى إلى موجبات التنمية العقارية المستدامة، وارتفاع اسعار وعدم توطن اغلب مستلزمات البناء والمواد الانشائية، ومحدودية الاستخدامات التقنية المعاصرة في مفاصل القطاع ومكوناته الراهنة، وغيرها العديد من التحديات. وعلى الرغم من انشاء مؤسسة التنظيم العقاري ومباشرتها لمهامها وفقا للقانون رقم (27) لسنة 2017 بشأن تنظيم القطاع العقاري، والمرسوم رقم (69) لسنة 2017 بتنظيم مؤسسة التنظيم العقاري، والنجاحات المبكرة التي حققتها، واسهمت في منح القطاع العقاري مزيدا من الاهتمام المؤسسي والتشريعي، وأكدت في رسالتها على سعيها لتوفير بيئة تنظيمية قوية وآمنة وشفافة ومستدامة للقطاع العقاري من شأنها تشجيع الاستثمار وحماية حقوق المستهلكين، من خلال حلول مبنية على افضل الممارسات العالمية وتقديم خدمات نموذجية بواسطة فريق عمل مختص، فضلاً عن التواصل الأمثل مع جميع الجهات المعنية بالقطاع العقاري. فإن التكنولوجيا المالية بما وفرته من تقنيات جديدة وامكانات واسعة لتحقيق أعلى قيمة مضافة، عبر التفاعل والتواصل بين القطاع العقاري والتكنولوجيا المتقدمة، وإقامة قطاع عقاري يدعم تطبيق التكنولوجيا، يمكن ان تسهم في تذليل العديد من التحديات التي تواجه القطاع العقاري في المملكة وهذا ما سنتناوله في حلقة قادمة ان شاء الله. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :