أصبحت الدراما العربية والخليجية مؤخرا، تقدم أعمالاً درامية تدور في فلك المشكلات النفسية الأكثر تعقيدا في الحياة، والتي يمكن أن تنتج عن تلك الأمراض النفسية المتشابكة جرائم ترتكب وسلوكيات تؤدي إلى الإضرار بالآخر، وعلى الرغم من أن العديد من تلك المسلسلات سواء الخليجية أو المصرية أو حتى المترجمة منها إلى العربية أصبحت تعرض أحداث تلك الدراما من واقع تلك المشكلات، ابتداءً من تعقيدات النفس البشرية، والوقوع في القاع المؤدي إلى الحقبة الزمنية السابقة التي خلقت ذلك التراكم الرهيب من الضغوطات حتى نمت العقد النفسية التي ينطلق صاحبها على ضوء خلفيتها، فيبدأ يمارس مشكلاته واختلالاته السلوكية من خلالها، مثل هذه الدرما بدأت تلقي الضوء على أشد وأخطر الأمراض النفسية شراً وخطورة على الإنسان في مختلف المجتمعات، فعلى الرغم من الحالة الكئيبة التي تمر بها تداعيات الأحداث في تلك الدراما إلا أنها صحية جداً، إذ يبدو بأن تسليط الضوء على خطورة المرض النفسي ترك الباب موارباً حتى يتأمل المشاهد ما يمكن أن يحدث له في الوقت الذي يعتقد أنه يتصرف بشكل طبيعي، في حين أنه يدخل دائرة المرض النفسي دون أن يشعر. ولا نبالغ حينما نجد أن من أكثر المسلسلات التي استطاعت أن تمثل خطورة المرض النفسي على الإنسان، والتي يمكن أن تدفعه إلى ارتكاب الجريمة على اختلافها في الدراما المصرية مسلسل «سقوط حر»، والذي عرض في عام «2017»، وهي دراما وجهت الضوء بشكل كبير على تلك البؤرة الخفية بداخل الإنسان، والتي إذا لم تتنبه إليها الأسرة في أبنائهم فإنها ستنمو لتتحول إلى مرض نفسي يدخلهم في منطقة العتمة التي تسقط بهم في هاوية الاختلاف النفسي، وهذا ما وجدناه في شخصية «ملك»، والتي تجسدها الفنانة نيلي كريم، فهي الشخصية المعقدة بشدة والتي دفعها شعورها بالحرمان من حب والدتها للتآمر على قتل شقيقتها وزوجها أقرب شخصين لها في الحياة، إلا أن العقل لديها بعد ارتكاب الجريمة يسقط في المنطقة المعتمة للذاكرة فتفقد القدرة على التذكر لأنها تخشى التذكر وتدخل المصحة النفسية فتبدأ تداعيات الأمراض النفسية لشخصيات عدة تتراقص أمام المشاهد، أهمها شخصية «سليم» المصاب بمرض «البارانويا». أما المسلسل المصري «30 يوم» فتدور أحداثه في ذات الدائرة التي يحرك خيوطها الممثل المتميز السوري باسم خياط، ويبدو عليه الأعراض النفسية التي تحول حياة كل من يقترب منه لجحيم مطبق بأسلوب لم يكن معهوداً في الدراما العربية وبطريقة مشوقة. في حين نجد ذات التعقيد ولكنه بشكل مختلف في شخصية «جمال»، والذي يجسده الفنان المبدع داوود حسين في المسلسل الكويتي «موضي قطعة من ذهب»، والذي يعيش على سر غامض يحوله من رجل عادي إلى رجل غير متوازن ومضطرب نفسياً، مما يؤثر على حياة أسرته. التركيز في الدراما العربية على المرض النفسي وخطورته في المجتمعات، يكشف تفاقم التأزم البشري الموجود والشائك في مختلف البيئات، التي أصبحت تعاني من الفقر والحاجة العاطفية والضغوط اليومية والاختلال في العلاقات، والتي منها تبدأ المشكلة النفسية، إلا أن الإبداع في تجسيد تلك الأمراض في الدراما العربية يأخذ خطاً واضحاً من التميز غير المسبوق في الوسط العربي والخليجي.
مشاركة :