طوال إثني عشر يوماً، هي أيام «مهرجان الشارقة القرائي للطفل» يتحوّل «مركز اكسبو الشارقة» فسحة كبيرة للأطفال الإماراتيين والعرب والأجانب من أبناء الجاليات، يختارون فيها كتبهم المتنوعة ويقرأون ويستمعون الى رواة يقرأون لهم الحكايات ويشاركون في ورشات الإبداع، مكتشفين جوانب بديعة من حياة ممزوجة بالأحلام والأفراح. هذا المهرجان هو اشبه بالعيد الثقافي والفني والترفيهي الذي ينتظره الأطفال في الإمارات عاماً تلو عام، ليمارسوا خلاله هواياتهم الجميلة من قراءة ورسم وخط وصناعة دمى وأداء مسرحي وإلقاء نصوص وقصائد، والأهمّ ان هذا المهرجان هو موعدهم للتزود بما يحلو لهم من كتب هي مؤونتهم لأشهر طوال، يضعونها في مكتباتهم ليعودوا اليها ويقرأوها. وفي الدورة السابعة هذا العام يرسخ هذا المهرجان هويته وأبعاده وفرادته بصفته أضخم المهرجانات العربية الموجهة للأطفال ثقافياً وتربوياً وفنياً وترفيهياً، ولعله واحد من المهرجانات النادرة عالمياً بما يتميز به من ضخامة ودقة تنظيم وعمق ثقافي وتربوي وتعدد في الأهداف. هذه السنة نجح المهرجان كل النجاح في سياسته المعتمدة لجذب الأطفال وإنشاء علاقة متينة بينهم وبين القراءة، علاقة تجمع بين الفعل الثقافي والترفيه والمتعة. وهو قد اصاب ايضاً في تركيزه على الثقافة البصرية وعالم الكومبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي التي لم يعد جائزاً تجاهلها بعدما غزت حياة الأطفال اليومية. هذا المهرجان انشئ قبل ستة اعوام بتوجيه من الشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، المؤرخ والكاتب الذي جعل الثقافة همّاً من همومه ومن هموم المواطنين، وتشرف عليه هيئة الشارقة للكتاب التي يترأسها أحمد بن ركاض العامري المعروف برؤيته الثقافية الحديثة والمتطورة، ومجموعة «كلمات» التي تترأسها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، وتواكب تنظيمه لجان من اصحاب الاختصاص، وهم إماراتيون وعرب وأجانب. وقد سعى منذ خطواته الأولى إلى أن يجمع بين كونه معرضاً لكتب الأطفال الصادرة بالعربية وباللغات الأخرى كالإنكليزية والفرنسية واللغات الآسيوية المتعددة، وبين كونه فسخة تضم ندوات ولقاءات يتم فيها تقديم أدب الطفل ومناقشته وإعادة النظر في معطياته بهدف تطويره وتصويب بعض هنّاته، وهذه الندوات يشارك فيها كتّاب وفنانون ونقّاد وتربويون يطرحون أفكارهم ومقترحاتهم على بساط النقاش بغية الخروج بتوصيات وآراء في شأن تأصيل أدب الطفل وتحديثه في آن واحد. وفي افتتاح المهرجان قدّم القاسمي مكرمة بمبلغ مليوني درهم، لدعم دور النشر المشاركة في المهرجان، ولشراء الكتب منها ورفد المكتبات العامة والمؤسسات الثقافية في الشارقة. وأطلق القاسمي خلال زيارته جناح المجلس الإماراتي لكتب اليافعين مشروع «تمكين مكتبات الأطفال»، الذي يهدف إلى تفعيل مكتبات الأطفال، وتزويدها بالمقومات التي تساعدها على البقاء، وتحويلها إلى بيئة جاذبة للأطفال وأسرهم. أكثر من 2000 فعالية تضمّن المهرجان الذي يقام هذا العام تحت شعار «اكتشف مدينتي» نحو 2028 فعالية ثقافية وتعليمية وترفيهية وفنية وصحية إلى جانب مشاركة 109 دور نشر من 15 دولة، وسط حضور عشرات الشخصيات الثقافية والتربوية والأكاديمية والفنية المتخصصة والمهتمة بالطفل. ويضمّ المهرجان الدورة الرابعة من معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل، ويشارك فيها 385 عملاً فنياً رسمها 134 فناناً من 31 دولة عربية وأجنبية، ويعتبر هذا المعرض الوحيد من نوعه في العالم العربي، ويهدف إلى إيجاد ثقافة فنية متطورة وعالمية تحتفي بالرسام بصفته صاحب الصورة في إبداع الكتاب الموجه للأطفال. وهذا المعرض لنا عودة اليه. أما أطرف ما تضمّن المهرجان معرض الديناصورات الذي تستضيفه الشارقة للمرة الأولى بالتعاون مع متحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا، ويعتبر الأضخم من نوعه للديناصورات والتي يعود تاريخ انقراضها إلى العصر الجوراسي. ويقدّم المعرض الفريد معلومات خاصة بعالم الديناصورات، تمّ إعدادها بأسلوب علمي مبسّط يناسب الأطفال، وباللغتين العربية والإنكليزية. ويشكل المعرض إضافة قيّمة إلى التاريخ الطبيعي، ويتميّز بالمراجعة العلمية الدقيقة لكل معروضاته. وكرّم القاسمي في حفلة الافتتاح الفائزين بجوائز معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل، والبالغة قيمتها الإجمالية 77 ألف درهم إماراتي، وفاز بالمركز الأول ون دي تان من ماليزيا، فيما حل جانكو ناجانو من اليابان في المركز الثاني، وجاء بياتريس مارتين ترسينو من إسبانيا في المركز الثالث. أما الجوائز التشجيعية فذهبت إلى حسين النخال ودافيد حبشي من لبنان، ومارياكاريلا تاروني من إيطاليا، وعلي بوذري من إيران. وشمل التكريم أيضاً أصحاب المعارض الفنية الشخصية المصاحبة للمهرجان، وهم: سارة تايسون من كندا، وإيريك رولاند من فرنسا، ولطيفة أهلي من الإمارات. وكرم أيضاً الفائزين بجائزة مهرجان الشارقة القرائي لكتاب الطفل 2015، وقد فاز بجائزة كتاب الطفل باللغة العربية للفئة العمرية من 4 إلى 12 سنة، كتاب «بين هذا وذاك» للكاتب والشاعر اللبناني الزميل حسن عبدالله، وذهبت جائزة كتاب اليافعين باللغة العربية للفئة العمرية من 13 إلى 17 سنة إلى كتاب «صديقي المُختلف عقلياً» للكاتبة عبير محمد أنور. أما جائزة كتاب الطفل باللغة الأجنبية للفئة العمرية من 7 إلى 13 سنة، ففاز بها كتاب «المنديل المتكلّم» للمؤلفة آنجانا فاسواني، وفاز بجائزة كتاب الطفل لذوي الإعاقة البصرية (جائزة تشجيعية)، كتاب «أرنوب وأسنانُه الحادة». حب الكتاب يقول أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب في تصريح إلى «الحياة» «إن مهرجان الشارقة تحوّل إلى حدث عائلي يجتمع فيه جميع أفراد الأسرة على حب الكتاب، واكتشاف متعة القراءة، والأهم من ذلك التركيز على دور الثقافة والمعرفة في تنمية القدرات الذهنية والإبداعية للطفل، والانتقال به إلى مستويات أعلى من التميّز، بما يؤدي إلى بناء جيل قوي الشخصية، وواسع الإدراك، وقادر على لعب دوره الإيجابي في بناء وطنه ومستقبله». وأضاف العامري: «رغم أن روح مهرجان الشارقة القرائي للطفل تتمحور حول الكتاب، إلا أن العدد الكبير من الفعاليات المتنوعة التي يتضمنها، وتشمل كل فروع المعرفة، من الآداب والفنون والتراث إلى العلوم والصحة والطهو، مروراً بالموسيقى والمسرح والسينما، يجعله فعالية متكاملة قلّ نظيرها في المنطقة. وتضيف مشاركة نخبة من الشخصيات الثقافية والتربوية والأكاديمية والفنية في برامج المهرجان ونشاطاته بُعداً آخر له، من خلال جعل الطفل والاهتمام بتطوير قدراته نقطة التقاء هذه النخب، لتقديم كل ما يرتقي بالأطفال، ويوفر لهم فرصة التعبير عن أنفسهم بحرية، وإيصال صوتهم إلى العالم من خلال التغطية الإعلامية التي تواكب المهرجان». أما فعاليات المهرجان التي تبلغ 2028 فهي تتوزع على أربعة برامج، بحيث يتضمن برنامج الطفل 1919 فعالية، والبرنامج الثقافي 70، وبرنامج الطهو 28، إضافة إلى فعاليات مقهى التواصل الاجتماعي والتي تتضمن 11 فعالية. أما دور النشر وعددها 109 وهي من 15 دولة، فتتصدرها دولة الإمارات العربية المتحدة بواقع 40 داراً، يليها لبنان بـ 25 داراً، ومصر بـ 17 داراً إلى جانب مشاركات من أستراليا وكندا والهند ودول أخرى. ويشمل برنامج الطفل ورش عمل، وجلسات نقاشية، ومحاضرات توعوية، وأمسيات شعرية، وقراءات قصصية، وعروضاً مسرحية وغنائية في مجالات الفنون والتراث والصحة والتربية والأدب والعلوم والتوعية. ويتناول البرنامج موضوعات متنوعة مثل إعادة التدوير، وصناعة الدمى، والألعاب العلمية، والحرف التقليدية، والمهارات الفنية، والكتابة الإبداعية، والتأليف الموسيقي، والتصوير الفوتوغرافي، والتعرف على الآداب والسلوكيات العامة. في حين يتضمن البرنامج الثقافي الكثير من الندوات الفكرية والمحاضرات الثقافية والتربوية التي تقدمها مجموعة مختارة من أبرز الأدباء والمثقفين العرب والأجانب من أصحاب الخبرات المشهودة، إضافة إلى ما يحفل به البرنامج من قراءات قصصية ونقاشات وورش عمل حول الأدب والمسرح والسينما. ومن بين الموضوعات المطروحة هذا العام، اتجاهات أدب الطفل الجديدة، وكيفية تقييم ما يكتبه الطفل، وحقوق الطفل المعاق الفنية والإبداعية، ودور الإعلام في تنشئة الطفل. وتتوافر للأطفال مساحات متنوعة للعب بالمعجون والورق والبالونات والتلوين على الزجاج إضافة إلى تلوين الوجوه وتزيينها بالرسوم المدهشة، وكذلك اللعب من خلال التطبيقات الرقمية المحفزة للعقل والخيال. وشهد المهرجان ورشة بعنوان «شمس وأرض» التي تهدف إلى تزويد الأطفال بالمعارف والحقائق حول طبيعة الشمس والأرض، وتتناول موضوعات حجم الضوء والمكونات والألوان، ما يدفع الطفل إلى إنشاء روابط مباشرة وسريعة مع المحيط الخارجي. وإذا كانت الأعمال الأدبية تُعد بمثابة الوعاء الكبير الحاوي لمعظم الموضوعات التي تلبي على اختلافها حاجة الإنسان العربي في كل مراحله العمرية، فهي تلعب دوراً مهماً في خلق الصلة بين الطفل ومضامين هذه المواد، التي تساهم في بناء شخصيته وتقوية ثروته اللغوية، وهو ما يحاول أدب الأطفال التركيز عليه، وهذا ما أكدته ندوة «أدب الطفل ومستقبل اللغة العربية» التي نظمتها هيئة الشارقة للكتاب.
مشاركة :