انتهت نشرة الأخبار، وبعدها برنامج الأحداث، وبينهما تقارير من الشارع العربي، حيث متابعات لقصف جوي هنا ومطاردات داعشية هناك ومؤامرات كونية تحاك هنا وهناك. ثم تلى ذلك ملخّص بأهم الأنباء المحلية، حيث غرق لمركب محمّل بالفوسفات في مياه النيل، وتحرّش معلّم بتلميذة في مدرسة ابتدائية، وقطط ضالة في مستشفى حكومي، وغلاء أسعار فاكهة جنوني، وحادث سير أودى بحياة عشرات على الطريق. وأخيراً حان موعد «مجلة الموضة»، حيث فساتين إيطالية، وعطور فرنسية، وأدوات تجميل أميركية، وأحذية إسبانية، وتصفيفات شعر بلجيكية، وطريقة تجميل برازيلية، ونصيحة تنحيف إسكندنافية. لكن ما كان من ربة المنزل المتابعة والسيدة العاملة المشاهدة وبائعة الخضروات المحدّقة وطالبة الجامعة المراقبة إلا أن إنصرفن كل عائدة إما إلى ما كانت تفعله، أو هاربة إلى غرفة نومها، أو لاجئة إلى هاتفها المحمول أو جهازها الموصول بالشبكة العنكبوتية، أو مكتفية بإغلاق الصوت ومتابعة الصور التي بدت وكأنها قادمة من عالم غير العالم أو كوكب مغاير للكوكب. الكوكبة النسائية المجتمعة في المقهى الراقي حول أكواب الشاي الأخضر والكاباتشينو ذي الحليب الخالٍ من الدسم والبرتقال المعصور من دون إضافات سكرية، لم تخرج عن إطار «مجلة الموضة» في الحديث. فبين نعوت الـ «بلادة» وأخرى بـ «انعدام الكياسة» حيث عالم عربي مشتعل وحروب مجاورة مهددة ومشكلات داخلية مُحدقة لا تلقى بالاً لحديث الـ «هوت كوتور»، أو تترك مجالاً لحوار الماكياج الدخّاني أو تفتح باباً للتجميل البرازيلي من جهة، ونعوت «راحة في خضم الأزمة» و»تذكرة رغم أنف الكارثة» حيث قليل من الجمال لن يضر وبعض من اهتمام لن يفل الأحداث أو يؤثر في الكوارث أو يوقف تواتر الرياح والزعابيب المحيطة بالجميع. الجالسات أجمعن على متابعة سابقة لخطوط الموضة وأخبار التجميل ووصفات التخسيس. فمنهن من كانت مشتركة في مجلة نسائية أجنبية متخصصة في الموضة ومستحضرات التجميل وأنواع العطور، لكنها أوقفت الاشتراك بعد ما تراكمت المجلات ولم تجد وازعاً أو دافعاً لمطالعتها في خضم الأحداث. وقالت أخرى إنها وجدت في البحث العنكبوتي ضالتها المنشودة. فمزاجها العام وحالتها النفسية اللذان باتت الأحداث المتلاحقة والقلق والتوتر تؤثر فيهما يمكن إصلاحهما أحياناً عبر بحث عنكبوتي عن أحدث إصدارات هذه الدار من خطوط أزياء، أو آخر منتجات تلك الشركة من أنواع عطور، أي البحث وفق الحالة. حالة السيدات التي يبدو منها إنهن على دراية كاملة بالموضات، تؤكد إن مجلات الموضة وبرامج الأزياء فقدت جانباً من متابعيها تحت وطأة الأحداث، إن لم يكن لوعكة اقتصادية لحقت بكثيرات جراء أحداث ما بعد ثورة يناير، فبسبب نكبة نفسية ألمت بهنّ حيث القلق والتوتر. قلق من نوع آخر وتوتر في شكل مغاير أصاب أخريات ممن يفترض أن تخاطبهن «مجلة الموضة»، هنّ نساء وفتيات لم يطمحن يوماً إلى اقتناء فستان بآلاف الجنيهات أو شراء عطر أو ماكياج بمئات الجنيهات. فـ «مجلة الموضة» بالنسبة إليهن مرجعية لا أكثر أو أقل. فقد تنجح الخياطة في تقليد قصة فستان المصمم إيلي صعب مع إضافة أكمام طويلة وغطاء رأس لزوم الحجاب. وقد تُكلل جهود خلط لوني أحمر شفاه «مضروب» للحصول على لون مشابه لذلك الواردة صورته في المجلة. لكن حتى أولئك ضربهنّ القلق والتوتر، إذ تلاحقهن الأوضاع السياسية من الشباك إن أغلقن باب الأخبار التلفزيونية. تقول مي شاهين (27 سنة): «كلما سمعت أصوات ألعاب نارية أو فرقعة دولاب سيارة أنتفض وكلي رعب. فأنا أسكن في منطقة يعتبرها متظاهرو الإخوان نقطة ارتكاز. لم أعد أتابع مسلسلات أو أشاهد أفلاماً وحتى برامج الموضة والماكياج فقدت معناها». وتضيف بعداً واقعياً للأحداث وبرامج الموضة والأزياء فتقول: «كنت أتابع مجلات الموضة والتجميل وبرامجها بشغف شديد. لكن اكتشفت فجأة أن متابعتي ستظل نظرية من دون الجانب التطبيقي. فلو أنفقت راتب زوجي على مدار عام كامل لن أتمكّن من شراء فستان واحد من تلك الفساتين. وحتى لو امتلكت أحدها، فارتداؤه أمر مستحيل نظراً إلى تناقضه الكامل وما هو سائد في الشارع». الشارع في مصر عامر بشتى أنواع الأزياء النسائية وأشكالها ومعها صيحات التجميل والتعطير. لكنها تظل في مجملها بعيدة من تلك الصورة التي تحفل بها «مجلة الموضة»، سواء كانت برنامجاً عن الأزياء أو مجلة عن آخر صيحاتها. فما يرد في هذه المطبوعات والبرامج يظل حكراً على فئة دون غيرها وطبقة هي الأقلية، فتكاد لا يراها أحد إلا من يشبهها في منتجعات سكنية وحفلات خاصة وتجمّعات بعيدة من القاعدة العريضة. أما القاعدة العريضة، فمنها من كانت تتابع الموضة من باب العلم بالشيء، أو التشبّث بأحلام الاقتناء، أو التحلّي بالقدرة على الاستنساخ. ومنها من تمرّ عليها مرور الكرام من منطلق أن المحتوى لا يناسب العادات أو يتناقض مع التقاليد أو يتضارب مع المسموح. لكن الأوضاع الحالية والأحداث الجارية تحالفت وتواءمت وتضامنت لتدفع الغالبية من تاء التأنيث المصرية، سواء تلك المحلّقة في القمة المنعزلة، أو هذه الرابضة في الوسطية المتأرّجحة بين المأمول والممنوع، أو المرتكزة على القاعدة حيث «مجلة الموضة» في مجملها قبل الأحداث وبعدها أثناءها أشبه بـ «مجلة الوهم والخيال».
مشاركة :