خلعت نعليها ودلفت إلى غرفتها وهي تغوصُ بقدميها المنهكتين في البساطِ الوثير. دغدغ وبرُ البساط باطن قدميها فشعرت برعشةٍ خفيفة تسري من قدميها عبر أسفل ظهرها. فقدت توازنها على إثر تلك الرعشة، فاتكأت إلى حائطِ الغرفة الذي أصابها بسهمِ برودتِه فاخترق جسدَها الخائر بالفعل. التقطت منامتها من على المقعدِ المجاور للفراش وبدلت ثيابَها في سكونٍ وسرعة، ثم تدثرت بمبذلها الموهير الناعم لتحتمي به من لفحات هذا البرد القاسي فلامست طياته رقبتها في حنان. لم ترتدِ خفيها.. فلكم كانت تتوق للمسةِ وبر البساط الناعم الغني لتعوضها إحساسًا مفتقدًا بالدفء.كان هو نائمًا في الفراش.. جسده ممددًّا أمامها.. جامد.. صامت في رتابة تتناغم مع لون فودَيه. تعالت أنفاسُه في أذنيها مع اقترابِها منه. مدت يدَها بخفةٍ بجوار رأسه لتلتقطَ هاتفه ونظارته وسجائره من على الفراش بأطرافِ أصابعها.. ثم وضعتهم على الكومود الخشبي قبل أن تذهب حافيةً إلى المطبخ لتعد لنفسِها قدحًا ساخنًا من الشاي.الطريقُ من غرفةِ النوم الى المطبخ يُميزه باطنُ قدميها: وبر بساط غرفة النوم الوثير.. عتبة باب الغرفةِ ذات التزييقة الحييَّة.. المشاية الساكنة المصمتة في الممر.. الأرضية الخشبية لغرفة الاستقبال الصامتة الكتومة.. ثم مشاية باب المطبخ الدافئة.. وأخيرًا.. سيراميك المطبخ ذو البرودة اللاذعة. كانت خطواتُها خفيفة رغم جسدها المثقل بمسؤولياتِ النهار: العمل.. والاولاد.. والبيت.. فتمرينات النادي.. ثم الدروس. كانت قد طلبت من أختِها أن تستضيف الأولاد ليبيتوا عندها الليلة حتى تتمكنَ من اختلاسِ تلك السويعات لنفسها.. حتى تتمتعَ ببعض الهدوء المفتقد.. حتى تستعيدَ توازنها.كانت برودةُ السيراميك تحت قدميها تداعبها تارةً وتفتك بباطن قدميها تارةً أخرى فتشب على أطرافِ أصابعها لتهرب من براثنها. انتهت هذه المغامرة سريعًا بانطلاقِ صافرة الكاتل. فأعدت الشاي بسرعة وحملت قدحها الساخن بين راحتيها لترتشفَ منه بشفتيها المشققتين بفعل البرودة. لثمت القدح فانسالت بعض القطراتُ الساخنة على شفتيها كالقبلاتِ الصغيرة الدافئة، وتساقط البعضُ الآخر منسابًا على جيدها الرقيق فشعُرت بوخزاتٍ متتابعة بداخلها.. احمرت وجنتاها بفعل حرارة الشاي عند اقترابه من وجهِها. ابتلعت ريقَها، وأحنت رأسها قليلًا إلى اليسار ثم أعادت خصلة هائمة من شعرِها إلى الوراء واحتضنت قدحَها في حنو واتجهت بهدوئها المعتاد إلى غرفتها متلمسةً نفس الطريق بباطنِ قدميها: مشاية باب المطبخ الدافئة.. الأرضية الخشبية لغرفة الاستقبال الصامتة الكتومة.. المشاية الساكنة المصمتة في الممر.. عتبة باب الغرفة ذات التزييقة الحييَّة.. وأخيرًا.. وبر بساط غرفة النوم الوثير.وضعت قدحَ الشاي على الكومود الخشبي وقفزت إلى الفراش بجوار جسدِه الممدد وغاصت تحت الأغطية فلمست قدمها المثلجة ساقه.. زام قليلا ساحبًا ساقه في حركةٍ مرتعدة وهو يتقلب.. وقال لها بصوتٍ نصف نائم، يملؤه حفيفُ الأوراق المكدسة على مكتبه، ورنينُ الهاتفِ المتواصلِ طوال اليوم، واحتكاكُ أطباقِ دليفري الغداء بالمكتب، وأوامرُ الرؤساء وشكاوى المرؤوسين، وأبواقُ السياراتِ الغاضبة، وصراخُ الباعة الجائلين طلبًا للرزق:"إنتي برضه مش لابسة شراب؟"..ثم أعطاها ظهرَه وهو يلف جسدَه ورأسَه بالبطانية الصوف الثقيلة وغابت أنفاسُه لثوانٍ معدودة... ثم عادت عالية وراح في سُباتٍ عميق.. بينما هي تبتسم في نشوةٍ.. ناظرةً بامتنانٍ لوبر بساط غرفتها الوثير، ولهذا المشروبِ الأحمر السحري الساكن في دفءٍ بين يديها.
مشاركة :