فدوى عامر تكتب: عقد اللؤلؤ

  • 11/11/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أدارت بأطرافِ أصابعِها قفلَ العلبةِ الكحليةِ المخملية، ثم أخذت تنظر مطولًا لآخرِ هديةٍ أهداها لها.. وهي أغلاهم وأكثرهم قيمة: فلقد أهداها عقدًا من حباتِ اللؤلؤِ العاجية. تتذكر جيدًا كيف أنها كانت تنتظر عودتَه لها في ذلك اليوم كدأبِهِ بعد كل مغامرةٍ يخوضُها بعيدًا عن أحضانها. كان يعود في كلِّ مرةٍ محملًا بهدية. أدركت هي بمرورِ الوقت أن غلوَ الهدية كان يرتبطُ ارتباطًا وثيقًا بجمالِ بطلة كل مغامرة.. فكلما زاد جمالُ الأخيرة، بالغ هو في تكفيرِه عن خطيئته. أغلقت العلبةَ بهدوءٍ ووضعتها جانبًا، ثم تناولت هاتفَها ونظرت إلى رسالتِه الأخيرة: أصلُ بعد غد. انتظريني.. فلدي مفاجأةً لكِ! كانت هذه عادتَه دائمًا: يخوضُ مغامراته بعيدًا في بلدٍ آخرٍ مستغلًا عملَه الذي يتطلب السفر بين الفينةِ والأخرى. كانت تحبُه.. وربما لهذا كانت تتظاهر بعدم علمِها بما يفعل، وما ينتوي في كلِّ مرةٍ يسافر فيها. اعتادت إظهارَ السعادةِ بهداياه الباهظة: فهذا سوارٌ من الزمرد، وهاذان قرطان من الذهب، وذلك خاتمٌ من الألماس.. حينما فاجأها آخر مرةٍ بذلك العقد، لم تستطع إظهارَ السعادة على خلافِ عادتها: ألهذا علاقة بدلالةِ تلك الهدية الثمينة على مدى استمتاعه بآخرِ نزواتِه؟ أم يا ترى لأن حبات اللؤلؤِ ذكرتها بدموعِها التي لطالما انسابت على وجنتيها وهي وحيدةً في فراشِها، تتخيل يديهِ وهما تلمسان جيِد هذه، وشفتيه وهما تهمسان بكلماتِ العشق لأخرى، وقبلاتَه التي دومَا ما تجد مرفأً آخر لترسوَ عليه..كفكفت بأناملها دموعًا جديدة، ودت لو كانت الأخيرة، ثم حملت حقيبتَها الصغيرة لتلحق بباقي حقائبها وبالسائق الذي ينتظرها أمام بابِ المنزل. كانت قد كتبت له رسالة حرصت على تركها بجوار فراشها. استدارت قبل أن تطفئَ الأنوار ووقفت مكانها قليلًا كمن يفكر بأمرٍ ما. وضعت حقيبتها أرضًا ثم تناولت العلبةَ المخمليةَ وفتحتها من جديد. لمعت عيناها لرؤيةِ تلك الحبات العاجية الملضومة فأخرجتها من مستقرها ثم ذهبت إلى المطبخ وعلى وجهها ابتسامة. عادت وهي تحمل كوبًا نصف مملوء أسقطت فيه العقدَ فتلألأت عيناها فرحًا. وضعت الكوب بجوار الرسالةِ ثم فتحت المغلف وأتت بقلمِها وأضافت: "ملحوظة: ستجد عقد اللؤلؤِ -هديتك الأخيرة لي- بجوار تلك الرسالة في كوبٍ من الخل. ستذوب لآلؤك الباهظةُ وتنصهر لتصير غير ذاتِ قيمة. فالدموع التي ذرفتُها بكاءًا على كرامتي لا تقدر بثمن.. يا زوجي العزيز!"

مشاركة :