يحيي العالم غدا اليوم الدولي للغات الإشارة 2019 تحت شعار "حقوق لغة الإشارة للجميع"، الذي يهدف إلى الاعتراف بالقرار الذي يحدد يوم الوصول المبكر إلى لغة الإشارة والخدمات بلغة الإشارة، بما في ذلك التعليم الجيد المتاح بلغة الإشارة، يعد أمرًا حيويًا لنمو الأفراد الصم وتنميته وأهميته الحاسمة لتحقيق أهداف التنمية المتفق عليها دوليًا. كما إنه يعترف بأهمية الحفاظ على لغات الإشارة كجزء من التنوع اللغوي والثقافي. كما تؤكد على مبدأ "لا شيء عنا بدوننا" فيما يتعلق بالعمل مع مجتمعات الصم.وفقًا للاتحاد العالمي للصم، يوجد نحو 72 مليون شخص من الصم في جميع أنحاء العالم. أكثر من 80 % منهم يعيشون في البلدان النامية. وبشكل جماعي، يستخدمون أكثر من 300 لغة إشارة مختلفة.كان الاتحاد العالمي للصم، وهو اتحاد لـ 135 جمعية وطنية للصم ( تمثل في مجموعها 70 مليون أصم في العالم )، قد قدم اقتراحا للاحتفال باليوم الدولي للغة الإشارة. وتبنت البعثة الدائمة لأنتيغو وباربودا لدى الأمم المتحدة القرار 161/72 بالشراكة مع 97 دولة عضو، واُعتمد بتوافق الآراء في 19 ديسمبر 2017. ووقع الاختيار على تاريخ 23 سبتمبر لأنه تاريخ إنشاء الاتحاد العالمي للصم في عام 1951. ويمثل هذا اليوم يوما لميلاد منظمة دعوية، وأحد أهم أهدافها هو الحفاظ على لغات الإشارة وثقافة الصم بوصف ذلك من المتطلبات الأساسية للإعمال الكامل لحقوق الإنسان لفئة الصم. واحتفل لأول مرة باليوم الدولي للغات الإشارة في 23 سبتمبر 2018 في إطار فعاليات الأسبوع الدولي للصم، الذي يحل في الفترة من 24- 30 سبتمبر. وكان قد احتفل بأول أسبوع دولي للصم في سبتمبر 1958، وتطور بعد ذلك إلى حركة عالمية يراد منها الوحدة بين فئة الصم والتوعية المركزة على إذكاء الوعي بقضاياهم والتحديات اليومية التي يواجهونها.وقد أشار أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالة له بهذه المناسبة، إلى أن لغات الإشارة تعد وسيلة مهمة للفرد للتعبير عن نفسه والتواصل مع الآخرين والمشاركة في جميع جوانب المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. كما أن استخدامها ضروري لضمان الوصول إلى المعلومات والخدمات، بما في ذلك أثناء حالات الطوارئ، وإعمال حقوق الإنسان لأكثر من 70 مليون شخص من الصم في جميع أنحاء العالم. ويعد التقديم المبكر والتعليم الشامل الجيد بلغة الإشارة ضروريًا لمشاركتهما الكاملة والفعالة، وفقا لما تنص عليه اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وأضاف غوتيريش، إلى أنه في هذا اليوم الدولي نعترف بأهمية لغات الإشارة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والوفاء بوعدها الأساسي بعدم ترك أي شخص وراءه. كما يوفر فرصة لدعم وحماية الهوية اللغوية والتنوع الثقافي لجميع مستخدمي لغة الإشارة. ومن خلال اعتماد إستراتيجية الأمم المتحدة لإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في وقت سابق من هذا العام، أنشأت الأمم المتحدة أساسًا للتغيير المستدام والتحويلي بشأن إدراج الإعاقة، وسوف نقود بالقدوة.وقال غوتيريش: نؤكد من جديد، في هذا اليوم الدولي للغات الإشارة، التزامنا بالنهوض بحقوق الأشخاص الصم في كل مكان.وتعتبر لغة الإشارة من أقدم وسائل التواصل والتخاطب للصم والبكم، والتي ظهرت في إسبانيا في القرن 17 للتعامل مع من لا يملكون القدرة على الكلام والسمع. كما أنها تعتبر من اللغات التي تستخدم فيها لغة اليدين بإشارات محددة، وتكون الإشارات تبعا لكل حرف من الحروف الأبجدية، ومن خلالها يمكن تكوين جمل. ولغة الإشارة ليست قاصرة فقط على حركة اليدين، فهي تشمل تعابير الوجه، وحركة الشفاه والتعابير بحركة الجسم.إن لغات الإشارة هي لغات طبيعية كاملة التميز، وهي مختلفة من الناحية الهيكلية عن اللغات المنطوقة. وهناك أيضًا لغة إشارة دولية، والتي يستخدمها الأشخاص الصم في الاجتماعات الدولية وبشكل غير رسمي عند السفر والتواصل الاجتماعي. ويعتبر هذا الشكل من أشكال لغة الإشارة غير المعقدة مثل لغة الإشارة الطبيعية وله معجم محدود. وتعترف اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتروج لاستخدام لغات الإشارة، حيث يوضح أن لغات الإشارة متساوية في وضعها بالنسبة للغات المنطوقة وتلزم الدول الأطراف بتسهيل تعلم لغة الإشارة وتعزيز الهوية اللغوية لمجتمع الصم.ويعتقد الكثير من السامعين أن الصم يستخدمون إشارة واحدة في جميع انحاء العالم، وأن لغة الإشارة لغة موحدة ويندهشون عندما يعلمون أن لكل بلد لغة إشارة خاصة بها تختلف عن باقى الدول، ليس هذا فقط، وإنما قد يكون هناك أكثر من لغة في البلد الواحد. إن كل لغة إشارة تختلف عن الأخرى لأنها انعكاس لتاريخ وثقافة وعادات المجتمع والبيئة التي يعيش فيها الأصم. لهذا نجد إشارات مختلفة - من لغة إشارة لأخرى - لمفاهيم عالمية مثل: أم، أب، يوم، ليل، شجرة، وهكذا.ولكن من يجيد استخدام لغة الإشارة في بلد ما، يستطيع التواصل بسهولة مع مستخدمى لغة إشارة لبلد آخر رغم اختلاف اللغتين، بعكس مستخدمى اللغات المنطوقة الذين يجدون صعوبة في التواصل إن لم يكن أحدهما أو كلاهما يجيد اللغتين. أما الصم فهم بارعين في إقامة جسور لسد ثغرات اللغة مع الآخر والتواصل معه.وهناك لغة إشارة دولية يستخدمها الصم الدوليون في اجتماعاتهم حيث تم تطوير مفردات إشارية دولية مصطنعة يطلق عليها " الجيستينو"، وهى مثل لغة الإسبيرانتو للسامعين تم تطويرها في منتصف السبعينات بواسطة لجنة الإشارات في الاتحاد العالمي للصم. غير أنها في الحقيقة لم تستطع الإلمام بجميع احتياجات الحياة اليومية لكنها مفيدة في ملتقيات الصم الدولية حيث يصعب صف عدد كبير من المترجمين لكل لغة إشارة قومية.وقد استخدمت في حفل افتتاح مؤتمر ومهرجان طريق الصم الدولي والذي أقيم في واشنطن عام 1989، وكانت بسيطة ومنطقية. وحيث إن إشارة الجيستينو نشأت عن طريق لجنة وليس عن طريق مجتمعات الصم، فهي إذن لا تعتبر لغة حقيقية. وقد تم تغيير العديد من إشارات الجيستينو بواسطة اقتراحات الصم الدوليين حيث إن إشارات الجيستينو تبنى جزئيا على لغة الإشارة الأمريكية والتى تعتبر أكثر لغات الإشارة معروفة عالميا.وترجع أهمية لغة الإشارة للصم والبكم حيث إنها تعمل على التواصل بين الصم والبكم والناس وتنقل المشاعر المتبادلة بينهم؛ كما أنها تساعد على التعبير على الحاجات المختلفة للصم والبكم ؛ وتعمل على النمو الذهني والشفوي والإشاري لأصحاب القدرات الخاصة من الصم والبكم، كما أنها تساعد على الحد من الضغوط الداخلية والنفسية التي تصيب من يعانون من عدم الكلام والسمع ؛ وتساعد على التخلص من الإصابة بالخوف والاكتئاب والإحباط لدى الصم والبكم، وتعمل على تطور العلاقات الاجتماعية والمعرفية والثقافية للأفراد.وقد أنشئ الكثير من المدارس الخاصة في تعليم لغة الإشارة للصم والبكم في الكثير من دول العالم، لكنها بحاجة إلى تطور خاصة في المجتمعات العربية. كما أنها من المهم جدا الدمج بين الأطفال من الصم والبكم مع الأطفال العاديين في مدارس، ويكون لهم فصول مخصصة داخل المدارس، وهذا لحياة اجتماعية وتعليمية أفضل، ولرفع معايير الثقة بالنفس لديهم.ومن أبرز الصعوبات التي يواجهها الصم في تعلم الكتابة: الضعف في استخدام التراكيب اللغوية بسبب تأخرهم في اكتساب المفردات ؛ صعوبة في استخدام الأفعال بما يتناسب مع الفاعل والإطار الزماني ؛ الخلط في استخدام المجموعات ؛ حذف حروف الجر والعطف ؛ أخطاء في وضع الكلمات في الجمل. وينبغي أن يكون تطوير المهارات اللغوية الهدف الرئيسي من تعليم الطلاب الصم لضمان تطور مهارات التواصل لديهم وهذا يتطلب تعديل وتكييف الموارد التعليمية بما يتناسب مع إعاقتهم.ويعد موقع "تيني سينجر" من البيئات التعليمية التي تؤمن بأهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، بالتحديد الشخصيات الافتراضية ثلاثية الأبعاد، في دعم اكتساب الطلاب ذوي الإعاقة السمعية للمعرفة حيث يتم شرح المفردات المكتوبة بنظام ساين رايتنغ من خلال مقاطع إيمائية بصرية قصيرة بلغة الإشارة. إن توفير ترجمة حينية للإشارات المنسوخة والمصطلحات لا يمكن أن يحدث إلا تأثيرا إيجابيا في عملية التعلم لهؤلاء المعوقين. ويمثل موقع تيني سينجر # tuniSigner # منصة تعليمية مجانية تهدف إلى تنمية وتحسين القدرات اللغوية لدى الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية وذلك بمساعدتهم على تعلم كتابة وقراءة لغة الإشارة باستخدام نظام " ساين رايتنج" (SignWriting) الذي يعتبر من أهم أنظمة كتابة لغة الإشارة في العالم. وتوفر هذه المنصة عدة قواميس إشارية تضم مصطلحات إشارية مرفقة بالعلامات المنسوخة الخاصة بها بطريقة ساين رايتنغ، هذا إلى جانب تطبيقات إلكترونية متنوعة تتمثل في لعبة ذاكرة تسمى "ميمو ساين" (MemoSign)، وبرمجية لتعلم القرآن الكريم بلغة الإشارة تدعى " البيان". ولضمان تسهيل عملية وصول هؤلاء المعوقين للمصطلحات المكتوبة بنظام ساين رايتنغ وتقديم شرح مبسط وملائم لاحتياجاتهم الخاصة تم اعتماد تقنية الشخصيات الافتراضية ثلاثية الأبعاد بهدف إعادة تمثيل العلامات المنسوخة بلغة الإشارة بأسلوب إيمائي بصري.ويعد نظام الكتابة ساين رايتنج من الطرق الحديثة لكتابة لغة الإشارة وأكثرها شيوعا واستعمالا في المناهج التعليمية للعديد من البلدان الأجنبية كألمانيا، إيطاليا، كندا، الولايات المتحدة وبعض البلدان العربية كالسعودية، الأردن، وتونس. وقد تم إنشاء هذا النظام سنة 1974 على يد الأمريكية "فالوري ساتون" بإيعاز من الباحث "لارسون فون ديرليث" وفريقه في جامعة كوبن هاجن في الدنمارك. يختص نظام ساتون بتحويل لغة الإشارة الوصفية، التي ترتكز على تعابير الوجه وإيماءات الجسم، إلى رموز بصرية يمكن كتابتها وقراءتها وذلك باستعمال ألفبائية تناظر اللغات اللفظية في الوظيفة والتي تعكس الأيقونية التي تتميز بها لغة الإشارة. إن نظام كتابة لغة الإشارة ساين رايتنغ ليس لغة إشارة جديدة بحد ذاته بل هو كتابة للغة الإشارة المعروفة والمستخدمة عند الصم وهذا النظام يصلح لاستخدامه مع كل لغات الإشارة الموجودة في العالم. وتتمثل لغة الإشارة المكتوبة في إسقاط الإشارة على وسيلة القراءة المستخدمة من الورق أو الحاسوب باستعمال رموز أيقونية صورية مشابهة للشكل الحقيقي لشكل اليدين، حركة الكتفين وغيرها من تعبيرات الوجه.وتقدم منصة "تيني سينجر" خدمات تعليمية لذوي الإعاقة السمعية الذين يواجهون غالبا صعوبات كبيرة في تعلم قراءة وكتابة اللغة اللفظية، وذلك جراء اختلافها البارز من حيث البنية والطبيعة والشكل بالمقارنة مع لغتهم الأم لغة الإشارة. فاللغات اللفظية تعتمد بشكل أساسي على سلسلة من الأصوات والحروف التي يتم ترتيبها لفظيا، في حين أن لغات الإشارة ترتكز على التواصل البصري الذي يسمح بتمرير المعلومات باستخدام العديد من المفاصل كاليدين والرأس والوجه والجزء العلوي من الجسم وذلك بطريقة متزامنة ومتناغمة. وعلى الرغم من كون كتابة اللغة اللفظية عملية غير صوتية، إلا أن معظم الطلاب الصم لا يتقنوها لأنها تعد لغة منفصلة بحد ذاتها عن لغة الإشارة. إن اللغة المكتوبة ما زالت لفظية، تحمل أصوات اللغة في باطنها، فتستحيل الكتابة دون التعامل الصوتي مع أحرفها إذا لا يمكن فصل الكتابة عن الكلام وعن اللغة اللفظية، فإذا كان الكلام هو تعبير صوتي عن اللفظ، فالكتابة هي التعبير اليدوي عنه، والذي يتطلب بدوره من فاقدي السمع الربط بين مسارات الحروف والحروف نفسها ومعنى الكلمة.
مشاركة :