ما يجري في مصر الآن، يكشف أن فردا أعزل، باتت له قدرة على هز أركان نظام سياسي يملك كل مستلزمات القوة الحاكمة، ويستجيب عشرات الآلاف لندائه الوارد في تغريدة على تويتر، وينطلقون في مظاهرات شغلت عددا من الساحات الرئيسية في القاهرة وبعض المحافظات المصرية، يطالبون برحيل الرئيس عبدالفتاح السيسي المتواجد في نيويورك حاليا. محمد علي ممثل مغمور، لجأ إلى العمل في المقاولات الإنشائية لقصور رئاسية، لم يحصل على مستحقاته المالية، فيقرر فضح ما يراه بذخا رئاسيا وهدرا للمال العام، في بلد تعاني شرائحه الشعبية من فقر مدقع، مما يؤدي إلى إثارتها ضد النظام السياسي القائم. تمكن محمد علي من التحكم بحركة الشارع، وقدم ما يراه خطة محكمة للتظاهر، التزم بها المتظاهرون في مشهد فاجأ الجميع، وهم يعتقدون أنه بداية انتفاضة ستستمر حتى رحيل الرئيس عبدالفتاح السيسي. يبدو محمد علي واثقا من نفسه، وهو يدلي بخطابه الدعوي عبر منصات التواصل الاجتماعي، فهو يرى أن ما شهدته مصر في الجمعة الأولى، ما هو إلا "مجرد بداية ستعقبها خطوات تصعيدية إذا لم يستجب السيسي لمطالب الشعب بالرحيل". كيف استجابت شرائح شعبية لنداء محمد علي، المقاول الذي يعد واحدا من أبناء النظام السياسي، والشعب أي شعب عادة لا يستجيب إلا لشخصية لها خصوصية رمزية، ورؤى عميقة بنظرة استشرافية، أو قوى سياسية تستند على قاعدة جماهيرية عريضة؟ تقول القراءة الأولى، أن الشعب كان يكبت غضبه، وهو جاهز لإطلاق ثورة غضبه في أية لحظة، ووجد فيما عرف بكشف حقائق فساد في نظام رئاسي محركا قويا لا يثنيه عن البدء بانتفاضته. دعوة محمد علي بدأت بأعلى سقف للمطالب، وكأنه يمتلك بدائل جاهزة لمتغيرات جذرية ينتظر حصولها في وقت قريب، دعوة رحيل أعلى هرم في السلطة، وبناء نظام سياسي جديد، متجاوزا المطالب بتحسين الوضع المعيشي أو معالجة الخلل الاقتصادي أو إطلاق الحريات. دعوة محمد علي، البعيد عن دواليب السياسة، جاءت في ظرف إقليمي معقد، يتصاعد فيه الصراع الأميركي ـ الإيراني، ويبدو جليا صراع المحاور في منطقة الشرق الأوسط، محور إيراني ـ قطري ـ تركي يقابله محور سعودي - إماراتي تعد مصر طرفا رئيسيا فيه في ظل نظام الرئيس السيسي، المنشغل بمواجهة تنظيم الأخوان المسلمين. ما كان لتغريدة فرد لا يمتلك خصائص مؤثرة في عقل جماهيري، أن تثير شارعا يطالب بإسقاط نظام حاكم، يؤدي سقوطه في مرحلة راهنة إلى إخلال في توازنات إقليمية قلقة، وارتباك في الشأن الوطني، لولا خطة ممنهجة تقف وراءها قوى خارجية لها أدوات داخلية مؤثرة، وشبكة إعلامية متطورة قادرة على تغذية حراك شعبي وتوسيع دائرته، أمام تراجع الإعلام المصري رغم تعدد قنواته التي اكتفت ببث ومضات لدعاية سياسية متكررة لم تقنع شرائح كبرى من رأي عام فقد الحصانة من تأثير إعلام خارجي مضاد.
مشاركة :