فيلم «أسرار رسمية» يكشف فضيحة لم تلق اهتماماً إعلامياً وقت انجلائها منذ 15 عاماً، خصوصاً في الإعلام الأميركي، رغم أنها تتعلق بالحرب على العراق عام 2003. مع أن هيكل الفيلم مفكك إلى حد ما، إلا أنه يطرح موضوعاً جدلياً، هو مدى قوة صوت المواطن في ديمقراطية غربية مثل بريطانيا. صوت المواطن في هذه الحالة ليس بسيطاً، وإنما معقد لدرجة المخاطرة بأسرار دولة. نتحدث عن قصة الجاسوسة البريطانية كاثرين غن، التي لم تتحمل سماع تصريحات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، عن الحرب الأميركية البريطانية على العراق، لتجريد نظام الرئيس السابق صدام حسين من أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر عليها إلى اليوم، ومزاعم تعاونه مع تنظيم القاعدة الإرهابي. فما كان منها إلا أن سرّبت وثيقة سرية تكشف ابتزازاً أميركياً بريطانياً ضد أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لتأمين تصويتهم على قرار الحرب. يُروى الفيلم من ثلاث وجهات نظر: الأولى: الجاسوسة غن (كيرا نايتلي)، الثانية: صحافيو جريدة «ذا أوبزرفر» البريطانية الذين نشروا الوثيقة مارتن برايت (مات سميث)، وبيتر بيمونت (ماثيو غود) وإيدفوليامي (ريس إيفانز)، والثالثة وجهة نظر المحامي الذي تولى الدفاع عنها بين إيمرسون (ريف فاينس). يبدأ الفيلم المقتبس من كتاب «الجاسوسة التي حاولت إيقاف حرب» لمارشا وتوماس ميتشيل، في الفترة التحضيرية لغزو العراق 2003، ولا تقرأ في الصحف ولا تسمع في نشرات الأخبار إلا التهديدات الأميركية والبريطانية لصدام حسين، وحثه على التعاون لتسليم ترسانته المزعومة وتفادي الحرب. كاثرين غن وقتها تعمل في مركز الاتصالات الحكومي، كمترجمة منزعجة من مذكرة وصلتها، وتطلب المذكرة مساعدة غير قانونية لعملية تديرها وكالة الأمن القومي الأميركية للتجسس على دبلوماسيي الأمم المتحدة، لدفعهم للتصويت على قرار غزو العراق صادر من مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية. استمعت غن إلى ضميرها، ورغم علمها بأنها ترتكب مخالفة جسيمة بخرق قانون الأسرار الرسمية، فإنها نسخت المذكرة وسربتها إلى صديقة معادية للحرب. تسربت المذكرة بعد أسبوعين، وحصل عليها الصحافي مارتن برايت من جريدة «ذا أوبزرفر». وبعد تشاوره مع زميليه بيتر بيمونت وإيد فوليامي، قرر برايت التحقق من صدقية المذكرة مراراً وتكراراً قبل نشرها. تسبب نشر المذكرة في خلق حالة من الجدل والهوس، لكن الحكومة الأميركية تمكنت من تكذيبها، ورغم ذلك قررت السلطات البريطانية فتح تحقيق في حادثة التسريب. واعترفت غن بفعلتها كي تجنب زملاءها قسوة التحقيق الداخلي، وخوفها من اتهام أحدهم ظلماً. ألقي القبض عليها وأبقتها الحكومة لأشهر عدة في حالة من الغموض والضبابية، دون إبلاغها عن مصيرها أو حتى توجيه اتهام. بالإضافة إلى اتهام الحكومة زوجها الكردي ياسر (آدم بكري) بالترحيل. تملك غن اليأس، واتصلت بالمحامي البارع بين إيمرسون، ليمثلها قانونياً. من وجهة نظر سينمائية، أفلام مسربي المعلومات أو كاشفي الأسرار تقدم شخصيات جيدة لكن لا تستحق التعاطف بالضرورة، مثل جوليان أسانج المغرور النرجسي أو إدوارد سنودن. كاثرين غن تختلف عن أسانج وسنودن من ناحية أنها تحاول إنقاذ أرواح، وتخاطر بكل شيء على أمل ساذج أن بإمكانها وقف حرب. في النهاية لم تنجح محاولتها وخاطرت بنفسها وبزوجها، وأخذ صراعها طابعاً دولياً في البداية ثم تحول إلى شخصي. أخرج الفيلم الجنوب إفريقي غافن هوود، الذي وصل مرتبة متقدمة في «هوليوود» عندما أخرج فيلم «ذا وولفريين» عام 2009. وهذا الفيلم أول عمل له منذ أربع سنوات، عندما أخرج فيلماً عن حروب الطائرات المسيرة (درونز) بعنوان «عين في السماء». تعدد وجهات النظر للقصة تعطي شعوراً بأن الفيلم مفكك، ومحاولة هوود إضافة عامل تشويقي بدت مقحمة (مشهد سيارة مسرعة في الازدحام متجهة إلى المطار، ومشهد رجال يراقبون كاثرين) لم تكن ضرورية أبداً. هناك الكثير من أفلام كاشفي الأسرار في الـ20 سنة الماضية، لكن لم يصل أيٌّ منها إلى مستوى فيلم مايكل مان الرائع The Insider عام 1999، الذي أدى راسل كرو فيه دور مسؤول كبير في شركة سجائر يكشف أسرارها بسبب غضبه من ممارساتها. في السياق ذاته، فإن الفيلم من ناحية عرضه دور الصحافة الاستقصائية يحمل أصداء أفلام أخرى مثل «كل رجال الرئيس» أو «سبوتلابت»، والأخير فاز بجائزة أوسكار أفضل فيلم عام 2015، لكن الحق يقال إن هذا الفيلم محدود نصاً وفناً، مقارنة بالأفلام المذكورة. محدودية الفيلم جعلت مشاهد الصحافة فيه تبدو مثل كليشيه، خصوصاً مشهد فوليامي يقرأ من دفتر ملاحظاته ويصرخ ويشتم. من أجمل عناصر الفيلم بطلته نايتلي المتألقة في أدائها، والتي جردها هوود من ملامح نجوميتها، وظهرت بـ«ميك آب» بسيط متناسب مع الشخصية الحقيقية، لتجنب طغيان ملامح نجمة على الشخصية التي تؤديها وتشتت انتباه المشاهد.
مشاركة :