قصة Humans of Damascus والفتاة السورية التي تحاول قهر إله الحرب

  • 12/11/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تغيّر الحروب، خاصة الطويلة منها، كلّ شيء. الأمكنة والأحلام وحتى الوجوه. تنبت على هامشها أجيال من دون ذاكرة، حتى أولئك الذين وُجدوا قبلها تشوّه الحروب ما تختزنه ذاكرتهم. الحرب عدوة التفاصيل، لا سيما الإيجابيّة منها، فالأخيرة بالكاد تحضر في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث التي توثق الصراع. المساحة الأوسع مخصّصة لتسجيل عدد الضحايا ومجريات المعارك وتصريحات قادة السياسة والعسكر. السوري أكثر من "لاجئ" يُزعج هذا الحال الشابة السورية رانيا قطف. الفتاة الدمشقية التي لا تملّ السير في شوارع العاصمة السورية، تجد فيها الكثير من الجمال الذي لم تشوهّه الحرب، والذي يستحق الاحتفاء. برأيها، ليس في ذلك استخفاف بالدماء المسفوكة، ولا بأزمات التهجير واللجوء، بل هو محاولة للقول بأن الشعب السوري شعب حضارة ممتدة في التاريخ، وبرغم ظروف الحرب الراهنة لا يجوز اختصار وجوده بصفة "لاجئ". تأخذ رانيا، 31 عاماً، في حديثها مع رصيف22 على الإعلام عدم اهتمامه بيوميات وقصص من بقوا في الداخل، وكيف يحافظون على وجودهم في دمشق. الجانب الأخير هو ما حاولت قطف أن تنقله للعالم، وهكذا ولدت صفحة "هيومنز أوف دماسكوس" Humans of Damascus الذي استوحت اسمها وفكرتها من صفحة "هيومنز أوف نيويورك" Humans of New York الشهيرة. تقول قطف إن الفكرة بدأت تراودها منذ فترة، ومع تخصيص الصفحة الأميركية ملفاً لسرد قصص اللاجئين قررت أن يكون هناك صفحة سورية خاصة، تظهر الجانب الجميل من سوريا للعالم، الذي بات يراها  في إطار حصري عنوانه المأساة والخراب. قبل حوالي الشهرين، أبصرت "هيومنز أوف دماسكوس" النور بشكل رسمي. قبلها بسنوات كانت قطف تلتقط صوراً من الشام بشكل عفوي وتُحمّلها على حسابها الفيسبوكي. أرادت أن تكون مجموعة لا صفحة، كي يكون التفاعل أسهل وأوسع إطاراً. تحمل قطف آلة التصوير وتنزل للمشي دون هدف واضح. تحب ذلك وتجد فيه متعة لا توصف. في زواريب المدينة القديمة - قدم التاريخ والحضارة - ألف وجه وحكاية، تنقلها بشكل عفوي وبسيط. تقول قطف لرصيف22 إن صورها وقصصها تحظى بالإعجاب لأنها تختزن بساطة جميلة، فهي لا تتبع الخط السائد في الإعلام الذي يصنف المواضيع في خانة "ما يستحق النشر" بشكل نمطي. قد ترى مصباحاً مغبراً في أحد الأزقة، لم ينتبه له أحد، توثقه وتحكي عبره قصة شارع أو شخص أو حادثة. تلتقي بشخص معمّر يروي لها الكثير عن دمشق، ترصد صور مدينة الحرفيين والموسيقى والضحكات المتعالية في الزوايا، صور دمشق التي كانت تفيض حياة. في مرة أخرى، تحمّل صورة مدرسة اسمها "ستّ الشام" وتحكي عبرها عن امرأة من الزمن الأيوبي لعبت دوراً في تعليم الفقراء، وعبرها نعرف أكثر عن المرأة السورية ودورها الأعمق من كل الصور الرجعيّة التي تكثر المحاولات لزجها اليوم في هذا الإطار. أحمد يوسف خنصورة: "أبي يوسف خنصورة، كان فرّان هون بفرن الناصري. كان يخبز خبز مشروح مافي أخوه خباز... بال 1949 أيام حسني الزعيم كان يصير مداهمات عالأفران والرغيف يلي ينطعج معن وما يتدحرج متل الدولاب يقولوا عليه ماله وفق المواصفات المطلوبة. فكان يلي ياكل القتله الريّس يلي وراء بيت النار، يلي هو أبي. هيك حتى تركها للمصلحة وقلب عالفول والحمص والفلافل... ليكي كيف سكر هلئ، بس كل ما مر من جنبه بتذكر أبي وبضحك... الله يرحمه!" محمود الحلاق، قهوة الناصري: "هي قهوة شعبية، شعبية 100%! كانت لعمي وأبي إسماعيل الحلاق، واستلمتها أنا بعده وما غيرت فيها شي، الا الكراسي كانوا من قش وهلئ صاروا خيزران... تشربي شاي؟" من كاسة الشاي. قهوة النوفرة أحمد محاسني مؤذن جامع القاري السفرجلاني: "صرلي 40 سنة مؤذن بجامع القاري وقبلها كمان 20 سنة ببلاش يعني 60 سنة. جدي أبو أبي كان زعيم الحارة وجدي أبو أمي رشيد الخجى، أبو صالح كان من أهل الله وكان عنده بقالة بمئذنة الشحم". الهوة المفتوحة على الألم في أحد روايات الكاتب ميلان كونديرا، يتم استحضار مفهوم الهوية بعد الحرب. ثمة تحميل مسؤولية متبادل بين من بقي في البلاد خلال الحرب ومن هجرها. الطرف الأول يرى أنه دفع الثمن الأكبر من الرعب والأسى، بينما كان الآخر ينعم بالأمان في الخارج. في المقابل، يشكو من هاجر من آلام الذل في الغربة ومن القلق الذي يأكل الأحشاء. ففي الخارج تصبح المأساة أشد وطأة، ويرى "المغترب" أن من بقي في الوطن قد حافظ على كرامته. مع طول فترة الحرب، تكبر الهوة بين الطرفين، وعندما يحطّ الصراع أوزاره يصبح التلاقي بينهما مهمة شديدة الألم. أقوال جاهزة شارك غردHumans of Damascus ابحثوا عن ما تبقى من سوريا الجميلة في وجوه سكانها اليوم شارك غردعندما تشتاقون لأخبار سوريا بعيداً عن عدد الضحايا ومجريات المعارك... Humans of Damascus لا تحاول قطف أن تجترح المعجزات في هذا الإطار، لكنها ترى أن الصفحة مهمة في إبقاء التواصل بين الداخل والخارج. أسباب الاختلاف كثيرة اليوم، لكن جمال دمشق وحضارتها لا يختلف عليه أحد. تعترف أن المدينة تغيّرت بعد الحرب، كثر نزحوا إليها من الأطراف، والحزن زحف إلى بيوتها، وترك التدهور الاقتصادي بصماته فيها. مع ذلك، تحاول "هيومنز أوف دماسكوس"، التي تحب صاحبتها أن تسمي نفسها بـ"الموثقة" بدل "المصورة"، أن تحافظ على الأمور التي كانت تجمع السوريين. امرأة من حي القنوات: "هربنا من البيت بدقائق. ما كنت قادرة أحمل شي معي. ما بعرف كيف وصلت هالصورتين لجيبي. بنتي بدها تفل قريباً وبدها تاخذ الصور معها. تصوريهم وتعطيني الصورة؟ هدول كل الي بقالي من بيتي" نبيلة دربل: "بحضر الأكل لسبع عيل كل يوم. الأمر متعب ولكن لما يكون عندك أولاد وأحفاد كل الي بتريديه تتأكدي من أنهم ما يناموا جوعانين". صفحة لسوريا عند سؤالها عن رؤيتها للصفحة، وآليات تطويرها، تجيب قطف أنها تحلم بأن تحول الصفحة إلى "هيومنز أوف سوريا"، فيشارك فيها أناس من حلب والرقة وحمص وغيرها من المناطق، كما تسعى لربطها بالسوريين الموجودين في الخارج. استهوت قطف، التي درست علوم التغذية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، مواضيع التاريخ والاجتماع والهندسة بعد الحرب، رأت فيها عُدّةً تساعد على تقدير ما كان وما بقي. فهي، كما السوريين، أدركوا أكثر قيمة ما لديهم من حضارة بعدما باتوا مهددين بالخسارة. قد يقول البعض إنها تعيش في عالم سحري مواز، لا يمت لواقع الخراب بصلة، لكن الأجيال الجديدة التي ولدت في الحرب ولم يتسنّ لها أن تعرف عن التاريخ والحضارة كيف لها أن تعيد بناء سوريا المستقبل؟ التاريخ والهوية وجهان لعملة واحدة، ومن دون الأول لا تستقيم الأخرى، لا سيما وأنها مهددة أكثر من أي وقت مضى. هيفاء زعيتر صحافية لبنانية. عملت في صحيفة السفير، ثم مراسلة لقناة الجديد اللبنانية، وقناة فرانس24 الناطقة باللغة العربية. كلمات مفتاحية سوريا التعليقات

مشاركة :