تم تدمير متجر ديري الأصلي في غارة على بليموث أثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1941، إلا أنه أعيد فتح المتجر متعدد الأقسام في الموقع نفسه بعد الحرب، وخدم سكان المدينة الساحلية الإنجليزية لنحو 60 عاما. أغلقت أبواب المتجر أخيرا في عام 2010، وهو ضحية أخرى لتراجع الشارع الرئيسي في بريطانيا. بعد أن بقي غير مستخدم خلال فترة لا يستهان بها من العقد، سيخدم المبنى الآن جيلا جديدا من العملاء: الطلاب. أصبح سكن الطلاب جزءا مهما من قطاع العقارات في البلاد في الأعوام الأخيرة. وينطبق هذا أكثر ما يمكن على المدن والبلدات متوسطة الحجم مثل بليموث، حيث يبلغ عدد سكانها 260 ألف نسمة. إضافة إلى مشروع ديري الذي سيوفر 500 غرفة وفندقا ومساحة للبيع بالتجزئة، تم تقديم مقترحات لتحويل موقع مبنى ماني سنتر، وهو مبنى سابق للمكاتب، وصار ناديا مغلقا، وصالة عرض كانت ذات مرة مركزا حيا للكاريوكي في شارع ماي فلاور. التطورات جزء من تحول في بليموث، حيث أصبح أطول مبنى الآن ناطحة سحاب طلابية متعددة الألوان تدعى بيكلي بوينت التي افتتحت في عام 2017. بالقرب من أكبر جامعة في المدينة التي تستضيف أكثر من 20 ألف طالب، تم تحويل شوارع كاملة من المنازل العائلية إلى منازل مشتركة، تتنافس مع كتل أبراج بنيت حديثا للمستأجرين. وهناك الآن أدلة متزايدة على أن المدينة بلغت ذروة سكن الطلاب. يقول ستيف ديموث من شركة بيلي بارتنرشيب الاستشارية للبناء لها مكاتب محلية: "بالعودة إلى خمسة أعوام مضت، كانت الرافعات البرجية الوحيدة التي تراها في جميع أنحاء المدينة تبني مساكن للطلاب. أعتقد أن من المعترف به عموما أن بليموث وصلت إلى نقطة التشبع". بليموث ليست وحدها في جميع أنحاء بريطانيا، من كوفنتري في ميدلاندز، التي كانت فيما مضى قلب صناعة السيارات إلى كارديف، عاصمة ويلز، هناك قصة مشابهة - حيث أدى انفجار في أعداد الطلاب إلى تأجيج نشاط البناء المحموم. هذا القطاع العقاري ذو الطابع التعليمي الذي يوفر السكن لنحو 600 ألف شخص - أي ما يعادل ثلث عدد الطلاب بدوام كامل - يقدر الآن بنحو 50 مليار جنيه استرليني، ويعكس الدور الحاسم الذي تلعبه الجامعات الآن في الاقتصادات المحلية، وخاصة تلك التي تراجعت فيها كثير من الصناعات التقليدية. مثل المستأجرين الطلاب أنفسهم، يتم جذب عديد من المستثمرين من جميع أنحاء العالم، يجذبهم احتمال عوائد موثوقة في وقت انخفاض أسعار الفائدة. بين عامي 2016 و2018، تدفقت ثلاثة مليارات جنيه استرليني من الولايات المتحدة، بينما تم استثمار 2.2 مليار جنيه استرليني من آسيا، وفقا لشركة سافلز للعقارات. في بليموث، كما هو الحال في أي مكان آخر، حيث تتوجه موجة من الطلاب الجدد إلى الجامعات، توجد أسئلة حول ما إذا كان هناك ما يكفي منهم لملء الغرف التي تم بناؤها حديثا وتحمل تكاليفها. يقول توماس مولر، العضو المنتدب في "بلاك روك" أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، التي تستثمر في مساكن الطلاب في بريطانيا، لكنها تبيع حاليا حافظة بقيمة 300 مليون جنيه استرليني من مساكن الطلاب، بما في ذلك عقارات في لندن وليدز: "هناك مدن جامعية أصبحت الآن فوق العدد المناسب". فيضان مساكن الطلاب الجديدة يطرح سؤالا أيضا حول ما إذا كانت سياسة التعليم تشوه الاقتصادات المحلية، وتخصيص الإسكان في وقت يشهد فيه نقصا كبيرا في المنازل الاجتماعية والأسرية. يقول روبرت دنكان، المحلل في شركة نوميس: "لديك بعض الأسواق التي تتمتع بعرض عال للغاية. عندما تنتهي المدة ستكون لديك مدن أشباح وحشائش، تعبث بها الريح التي تهب في الشوارع". قصة سبارو تعيش سوزان سبارو في بليموث أو بالقرب منها منذ 94 عاما. في عام 1978، أطلقت أول مدرسة للغات في المدينة. عندما تم تخصيص قطعة الأرض على الطريق من المدرسة إلى شقق الطلاب، كانت أقل سعادة. تقول سبارو: "جعلنا ذلك نستيقظ على ما يجري. هذا أمر جنوني للغاية. لم يكن عدد الطلاب في السابق يبرر هذا". تشير المواد التسويقية للمشروع إلى موقعه بالقرب من جامعة بليموث، واصفة إياه بأنه "واحد من أكبر المشاريع في بريطانيا"، ويتحدث عن "نقص في توفير سكن الطلاب لهذا الغرض". ارتفعت أعداد طلاب بريطانيا في الغالب منذ التسعينيات، بعد حملة من حكومة حزب العمال عام 1997 لتوسيع المشاركة. كان هناك 555 ألف طالب في السنة الأولى مسجلين في الدرجة الجامعية الأولى في السنة الأكاديمية المنتهية في صيف عام 2018، مقارنة بما يقل قليلا عن 360 ألف طالب في عام 2000، طبقا لهيئة إحصاءات التعليم العالي. وكان لهذا تأثير ملموس في البلدات والمدن متوسطة الحجم مثل بليموث، التي تضم ثلاث جامعات و24 ألف طالب. يقول مارك لوري، عضو مجلس المدينة: "نرى انفجارا في التعليم العالي". يذهب الطلاب، تتبعهم شركات التطوير العقاري. على عكس سوق الإيجارات الخاصة، يحصل كثير من المستأجرين الطلاب على قروض من الحكومة للمساعدة على النفقات، التي يمكنهم استخدامها لدفع إيجارهم. يتم دعم الآخرين من قبل أولياء الأمور - وخاصة الطلاب الدوليين، الذين كان عددهم في بريطانيا نحو نصف مليون طالب في العام الدراسي 2017 / 2018. فتش عن تغير الرسوم يتتبع دنكان طفرة البناء الأخيرة إلى التغييرات في سياسة الرسوم الدراسية في عام 2010، عندما زادت الحكومة الرسوم ثلاثة أضعاف، فضلا عن "تدويل" التعليم العالي. "قال الناس، ’انتظروا، إذا كنت أتحمل كل هذا الدين، فأنا بحاجة إلى أن أشمر عن ساعدي. ما العوامل المساهمة في الحصول على درجة جيدة؟‘ أحدها نوعية السكن". ويضيف أنه بعد الأزمة المالية، انهارت عائدات العقارات - باستثناء سكن الطلاب. استمر القطاع في تحقيق عائدات عالية. شهد "يونايت"، وهو صندوق استثمار عقاري - يمتلك 50 ألف غرفة في 22 مدينة - ارتفاع سعر سهمه بنحو 140 في المائة في الأعوام الخمسة الماضية. يتم أيضا تحفيز تطوير الأراضي لسكن الطلاب بشكل غير مباشر بواسطة نظام التخطيط في بريطانيا. هناك حاجة شبه دائمة إلى المطورين الذين يقومون ببناء منازل للبيع أو الإيجار لبناء حصة من الإسكان "ميسور التكلفة"، وهو أقل ربحية، كشرط للحصول على إذن بالتخطيط. هذا لا ينطبق على سكن الطلاب. تدعم الجامعات تدعم نفسها غالبا خطط الإقامة، ما يضيف وزن صاحب العمل المحلي الكبير إلى الطلبات. رفضت جامعة بليموث إجراء مقابلة، ولكنها أصدرت بيانا نأت فيه بنفسها عن النشاط في سوق العقارات. وقال التقرير: "الزيادة في مشاريع مساكن الطلاب الجديدة في جميع أنحاء المدينة لا توجهها الجامعة بأي حال من الأحوال، بل تقودها شركات تطوير تجارية من القطاع الخاص مستقلة تماما عن الجامعة. تنصح الجامعة باستمرار من أن أعداد الطلاب ستبقى مستقرة في الأعوام المقبلة"، فهل من مستمع أو مجيب؟ كثير من مشاريع البناء الجديدة في بريطانيا نشأت على أساس التوقعات الصعودية لأعداد الطلاب. الزيادة رغم تراجع الأعداد في الواقع، الأعداد تتراجع على مستوى البلد، ويعزى ذلك جزئيا إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين بلغوا الـ18 من العمر. في بعض المناطق، تراجعت أعداد الطلاب الجدد بشكل حاد. شهدت جامعة بليموث، أكبر جامعة في المدينة، انخفاض أعداد الطلاب حيث تتنافس مع مؤسسات ذات مستوى أعلى منها مثل جامعة إكستر القريبة - من 32.5 ألف في العام الدراسي 2010 - 2011 إلى 20765 في عام 2017 - 2018، وفقا للأرقام الرسمية. نشاط مشاريع التطوير الجديدة في بريطانيا عرضة لحالات التراجع التي من هذا القبيل. لا تزال هناك ثماني مجموعات من المباني الكبيرة على الأقل في بلايموث، غرفها متاحة قبل أكثر من أسبوع بقليل من الموعد المقرر لبدء الطلاب الجدد؛ وكانت مجموعة أخرى قد امتلأت بتقديم الطلاب الذين حجزوا غرفة مقابل 250 جنيها استرلينيا نقدا. بعض المواقع التي لديها إذن تخطيط لإجراء تغيير من سكن الطلاب تظل فارغة لأن المطورين يتبارون بحثا عن خطط بديلة. وفي العام الماضي، طلب مجمع مبنى قائم إذنا بتحويل جزئي إلى فندق، لكن طلبه رفض. لا يزال من المقرر إضافة نحو 800 غرفة طلابية جديدة إلى السوق في بليموث من خلال تحويل "ديري" المقرر الانتهاء منه في عام 2020 – ومجمع آخر يقف فارغا في الوقت الحالي بسبب نزاع قانوني. أحد وكلاء الإيجارات في المدينة يقدر أن هناك نحو ألف غرفة فائضة، ويقول إن المطورين أفرطوا في بناء شقق استوديو سعيا وراء الربح. يقول الوكيل: "إنهم لا يصممون للطلاب، بل يصممون للحصول على أفضل نتيجة اقتصادية ممكنة"، مضيفا أن المصارف "تخشى الآن" من تمويل أعمال التطوير الطلابي في المدينة. القلق من دورة البيع بينما تدفق المستثمرون على شراء سكن الطلاب في بريطانيا في الأعوام الأخيرة، هناك علامات على حدوث تغيير في الزخم. باعت شركة "يونايت" العام الماضي محفظة من المجمعات البنائية بقيمة 181 مليون جنيه استرليني في خمس مدن، بما في ذلك بليموث، إلى شركة إعلامية مقرها سنغافورة. يقترح مولر من شركة بلاك روك أنه بعد ارتفاع كبير في الأسعار في بريطانيا قائلا: "هناك قيمة أفضل خارج بريطانيا اليوم"، مشيرا إلى الفرص في أوروبا القارية، حيث بدأ قطاع سكن الطلاب في اتباع مسار بريطانيا. وفي الوقت نفسه، تقول شركة سافلز إن العائدات على سكن الطلاب في مواقع أقل شعبية بدأت ترتفع هذا العام، ما يشير إلى انخفاض الأسعار. يقول جيمس هانمر، عضو مجلس إدارة سافيلز: "هناك علاقة مباشرة مع زيادة العرض المتصورة في بعض المدن". مع خروج بعض الصناديق المتخصصة من مناطق معينة، ما زال المستثمرون العاديون يطاردون العائدات. هناك تطوران على الأقل في بليموث - بما في ذلك واحد مقابل مدرسة السيدة سبارو للغات - تسعى إلى تمويل نفسها عن طريق بيع شقق فردية، وهي مصدر بديل للتمويل يأتي مع مخاطر كبيرة للمشترين. في وقت سابق من هذا العام، انهار برنامج بقيمة 100 مليون جنيه استرليني يتكون من 19 مبنى في جميع أنحاء بريطانيا، ما أدى إلى إلحاق الضرر بأكثر من ألف مستثمر بالتجزئة في جميع أنحاء العالم. دفع كل واحد منهم ما بين 50 ألفا إلى 75 ألف جنيه استرليني وعائدات متوقعة تراوح بين 8 و 12 في المائة سنويا، تم ملء نصف الغرف منها فقط حتى شباط (فبراير) الماضي. على الرغم من المخاوف، يشير بعض المسؤولين إلى الحجة الاقتصادية الداعية لإيواء الطلاب. يقول لوري، عضو المجلس الإداري للشؤون المالية في مجلس بليموث وعامل سابق في حوض بناء السفن، إن الطفرة التعليمية تفيد المدينة. تقدر شركة محلية أن الطلاب يسهمون بمبلغ 300 مليون جنيه استرليني سنويا في الاقتصاد المحلي. مفارقة شح الإسكان العائلي يجادل المجلس أيضا بأن نمو المجمعات الطلابية يدفع الملاك إلى إعادة المنازل المستأجرة إلى الاستخدام العائلي. ويضيف لوري: "نحن بحاجة إلى أن نضع في اعتبارنا ألا نبالغ في طلب سكن الطلاب. أعتقد أن السوق عالجت الحاجة". في عام 2017، أضاف المجلس مطلبا للتخطيط يقضي بأن تبنى المجمعات الطلابية الجديدة بناء على وجود الطلب، إلا أنه لا يزال يتم بناء مساكن الطلاب، حتى في الوقت الذي تعاني فيه المدينة نقصا حادا في الإسكان. يوجد نحو عشرة آلاف شخص على قائمة انتظار الإسكان الاجتماعي. هناك سؤال آخر يتم طرحه حول جودة بعض أماكن الإقامة، خاصة إذا تم، كما يحدث في بعض مناطق بريطانيا، بتحويل فائض سكن الطلاب لأغراض أخرى. يقول هيو إليس، مدير السياسات في جمعية تخطيط المدن والبلدات، إن هناك بعض المجمعات المصممة جيدا، لكن "هناك مسألة رئيسية أنه يتم بناء سكن الطلاب وفقا لمعايير أقل. بعضها يبلغ من العمر عشرة أعوام، وماذا يحدث عندما يحتاجون إلى التجديد - من سيتحمل تكاليف ذلك؟ يشير محللو قطاع الإسكان الآن إلى سوق منقسمة، حيث يفضل أصحاب العقارات المؤسسية الكبرى المواقع القريبة من الجامعات ذات التصنيف العالي. عندما باعت شركة يونايت حصصا في العقارات في خمسة مواقع بما في ذلك بليموث وبيرمنجهام وشفيلد، قبلت سعرا "أقل من القيمة الدفترية بشكل هامشي" من أجل "التخلص من الأصول التي لديها آفاق نمو أقل من المتوسط، وإعادة الاستثمار في العقارات التي تركز بشكل متزايد على الجامعات العالية والمتوسطة التصنيف. في بليموث، مثل غيرها من المدن متوسطة الحجم في جميع أنحاء بريطانيا، بات أداء سكن الطلاب جزءا من معضلة أعمق بكثير – وهي إلى أي اتجاه تأخذ اقتصادا صناعيا قديما يراهن على قطاع التعليم من أجل الإنعاش، وإيجاد حل جزئي فقط؟ راقب لوري حوض السفن وهو ينتقل من قوة عاملة قوامها 17 ألف فرد في عام 1985، عندما بدأ العمل هناك إلى خمسة آلاف بحلول الوقت الذي غادر فيه عام 2017. ويقول: "كنا مدينة بحرية. تقلص عدد من أرباب العمل الرئيسيين لدينا على مدار العقدين الماضيين، في حين أنه بالنسبة إلى الجامعة فقد كان ذلك العكس تماما". شاهدت سبارو المدينة تتطور على مدى فترة أطول. وتقول "في الوقت الذي تراجع فيه بناء السفن، سدت الجامعة نوعا ما الفجوة. كنت سعيدة في البداية – وقلت في نفسي ’هذه حقنة رائعة لمدينة مثل هذه‘.الآن، كما تجادل ازدادت الحماسة فوق الحد المعقول". وتختم قائلة: "نحن بحاجة إلى تأمين سكن يستطيع الناس أن يتحملوا تكاليفه. نحن بحاجة إلى تأمين الوظائف. السؤال هو: من أين ستأتي الوظائف؟"
مشاركة :