أُحَاول دَائِماً أَنْ أَنشُر ثَقَافة الخَير والإيجَابيَّة، والتَّفَاؤل أَيضًا، لأنَّها مُصطلحَات ضَعيفة وهَشَّة، لَا تَقوَى عَلَى مُوَاجهة الفُرَق التي تَلعب ضِدّها، وأَعنِي بِهَا فَريق الشّرِّ، وفَريق السَّلبيَّة، وفَريق التَّشَاؤم..! وإذَا قُلت: إنَّها مُصطلحَات ضَعيفة، فأَنَا أَعنِي مَا أَقول، لأنَّ الشَّرَّ بطَبيعته قَوي، ويَحمل مَخَالِب، ولَه جَاذبيَّة وانتشَار، وكُلُّنَا يَعرف أَنَّ الشّوكَة بشَرِّها وأَذيّتها، وطُول بَقَائِهَا، أَقوَى وأَبقَى مِن الوَردَة، التي تَمتَاز بالضَّعف، ويَستَحوذ عَليهَا الذّبُول..! لقَد أَدركتُ مِيزة ضَعف الخَير مُنذ الصِّغَر، حَيثُ كُنتُ أَعمَل فِي مَصنَع للعطُور، وفِي إحدَى غُرَف المَصنَع، نَفِقَ فَأرٌ، وفَاحَت رَائِحته الشِّريرَة الكَريهَة فِي كُلِّ الأَركَان، ورَغم أنَّه نَفِقَ فِي مَصنع العطُور، إلَّا أَنَّ رَائِحته غَلبت رَائِحة المَصنَع بكُلِّ عطُوره..! إنَّ القوَّةَ فِي الشَّرِّ وَاضِحَة، لِذَلك قَد يَهدم الإنسَان فِي سَاعَة؛ مَا بَنَاه فِي سَنوَات، وكُلُّنَا يَعرف أَنَّ الخَطَأ لَه جَاذبيّة وحضُور، أَكثَر مِن قوّة الصَّوَاب وحضُوره، وكُلُّنَا يَعلم أَيضاً؛ أَنَّ خَبر طَلَاق الرَّجُل مِن زَوجته؛ يَنتَشر أَسرَع وأَكثَر، مِن خَبر زَوَاجه، ولَو أَردنَا مِثَالاً بَسيطاً عَلَى قوّةِ الشَّرِّ، سنَجده فِي التُّفَّاحَة..! تَصوَّروا أَنَّ تُفَّاحة شريرَة فَاسِدَة؛ دَاخل كَرتون مِن التُّفَّاح الصَّالِح.. إنَّ المَنطق يَقول: الكَثرَة تَغلب الشّجَاعَة، لِذَلك نَتوقَّع أَنَّ كَثرة التُّفَّاح الصَّالِح، يُصلح التُّفَّاحَة الفَاسدة، ولَكن المُبَارَاة عَلَى أَرض الوَاقِع؛ تَقول غَير ذَلك، حَيثُ تَقوم التُّفَّاحَة الفَاسدة الوَاحِدَة، بإفسَاد كُلّ مَا فِي الصَّندوق مِن تُفَّاح..! حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟! بَقي القَول: إنَّ الأَمثِلَة عَلَى قوّة الشَّرِّ كَثيرة، ومَن يَذهب إلَى الصَّحرَاء، يَجد أَنَّ النَّبَاتَات الشّريرَة التي لَا نَفع مِنهَا -مِثل الحَنظل والصبَّار- تَعيش طَويلاً، فِي حِينَ أَنَّ التُّفَّاح والموز يَفسدَان بسُرعة.. لِذَلك قَرَّرتُ - بَعد تَفكيرٍ طَويل- أَنْ أَنحَاز إلَى الخَير، والإيجَابيَّة والتَّفَاؤُل، لأنَّها مَفَاهيم ضَعيفة، تَحتَاج إلَى الدَّعم والمُسَانَدَة والمُؤَازَرَة..!!