الجزائر- زادت حادثة احتراق ثمانية رضع في مستشفى جزائري بمدينة وادي سوف الحدودية من شدة الاحتقان الاجتماعي وتوتر الوضع في الجزائر، لاسيّما وأن الواقعة أثارت موجة من الغضب الشديد لدى الرأي العام، وقلّصت من اهتمام الشارع الجزائري بجلسات المحاكمة الجارية في المحكمة العسكرية لرموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. وفي الوقت الذي تواصلت فيه أطوار أكبر المحاكمات التي عرفتها الجزائر منذ استقلالها في 1962، بالمحكمة العسكرية بالبليدة جنوبي العاصمة، امتدّت مظاهر الغضب الاجتماعي الشديد في الجزائر إلى مدينة وادي سوف الحدودية، بعد احتراق الرضع في مستشفى حكومي. وتعيش المدينة الحدودية بأقصى شرق البلاد، على وقع غليان شعبي مهدد بالانفجار الاجتماعي، بسبب تردي الخدمات الصحية، ما تسبب في احتراق ثلاثة رضع واختناق خمسة آخرين، بعد نشوب حريق صباح الثلاثاء، في مصلحة الطفولة بالمستشفى الحكومي. ويرى مراقبون للشأن الجزائري، أن السلطة التي كانت تراهن على توجيه الرأي العام الداخلي للمحاكمة، في خطوة لإقناع المحتجين بالذهاب للانتخابات الرئاسية المقررة في الـ12 من ديسمبر المقبل، تفاجأت الثلاثاء، بانتشار عدوى الغضب الاجتماعي في مدينة وادي سوف الحدودية، بعد احتراق الرضع. الشارع الجزائري يترقب الكشف عن الأسرار الكثيرة التي يعلمها الجنرال محمد مدين (توفيق)، الذي قاد جهاز الاستخبارات لخمس وعشرين سنة واعتبر المحلل السياسي عبدالحق بن سعدي، في تدوينة نشرها على حسابه الخاص بموقع فيسبوك، أن المحاكمة التاريخية لم تعد تمثل حدثا هاما بالنسبة للجزائريين مقارنة بثقل حادثة وفاة الرضع، مفسرا ذلك بكون أن السلطة فشلت في توظيف المحاكمة لطمأنة الشارع وإقناعه بالذهاب للانتخابات الرئاسية. ورغم أهمية القضية التي باشر القضاء العسكري النظر فيها وثقل الشخصيات المحاكمة فيها، لارتباطها بإدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الماضية من تاريخ البلاد ودورها في تسيير الشأن العام طيلة عقود كاملة، إلا أن الاحتقان الشعبي في الشارع الجزائري لم ينخفض ولم يتحقق الاستقرار الذي تسعى إلى تحقيقه السلطة الحالية بشتى الوسائل لتمرير الانتخابات الرئاسية واصطدمت كل محاولاتها باستمرار الاحتجاجات وعدم الاطمئنان لبرمجة المحاكمة في التوقيت الحالي. ولاحتواء الوضع بمدينة وادي سوف الحدودية سارعت السلطات العليا في البلاد، إلى تقديم التعازي لعائلات الضحايا ، وتوجه كل من رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح، ورئيس الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) سليمان شنين، ورئيس الوزراء نورالدين بدوي، ببرقيات تعازي ووعود بمعاقبة المتسببين في حادثة الحرق. وقامت السلطة بإيفاد ممثليها إلى عين المكان، لاحتواء الوضع الاجتماعي المتململ، واتخاذ عقوبات صارمة في حق مسؤولين محليين على القطاع، وعاملين آخرين في المستشفى، إلا أن أصوات الجزائريين ارتفعت بشدة للتنديد بالفساد المنتشر في القطاعات الحكومية، ودعت إلى معاقبة المسؤولين الكبار دون التضحية بمسؤولين محليين ككباش فداء لتهدئة الوضع في البلاد. في الأثناء، تواصلت جلسات محاكمة مسؤولين بنظام الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة في أجواء يلفها التعتيم الإعلامي. وتم الاستماع في أول جلسة محاكمة جرت الاثنين، إلى المدير السابق لجهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين (توفيق)، ورئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، في التهم الموجهة إليهما وإلى باقي المتهمين الآخرين، وتتعلق بالملابسات التي أحيطت بالاجتماعات التي عقدت خلال شهري مارس وأفريل الماضيين، لمعالجة تطورات الأوضاع آنذاك. وصرح المحامي فاروق قسنطيني، بأن “المحاكمة تجري في ظروف عادية، وأن إجماع المحامين على تأجيل الملف إلى توقيت آخر، قوبل بالرفض من طرف قاضي الجلسة، وأن المتهمين وكلوا محامين معروفين على الساحة الوطنية”. وذكر المدير السابق لجهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين للقاضي قبول الرئيس السابق اليامين زروال، بقيادة مرحلة انتقالية في البلاد، في إطار المقترح الذي قدم له من طرف سعيد بوتفليقة، ونقله له شخصيا خلال اللقاء الذي جمعه به في بيته بالعاصمة في شهر أفريل الماضي، وفق ما نقله عنه المحامي خالد برغل. ويترقب الشارع الجزائري الكشف عن الأسرار الكثيرة التي يعلمها الجنرال محمد مدين (توفيق)، الذي قاد جهاز الاستخبارات لخمس وعشرين سنة، وينتظر الإفصاح عن معطيات تخص تحوّل سعيد بوتفليقة، إلى حاكم فعلي للبلاد منذ عام 2013، إثر إصابة شقيقه الرئيس بوعكة صحية، وتجاهلت المسيرة الاحتجاجية التي انتظمت الاثنين في العاصمة وفي مختلف مدن ومحافظات البلاد، ما وصفه ناشطون بـ”المناورة”، وعبرت عن تمسكها بالمطالب الأساسية للحراك الشعبي، وهي التغيير الشامل ورحيل كل رموز النظام.
مشاركة :