الشباب الجزائري من مختلف المحافظات مؤخرا إلى التعبير عن همومهم وقضايا الساعة عبر بث فيديوهات بأسماء مستعارة أو حقيقية تحصد إعجابات كثيرة على موقع اليوتوب. وتحوّل بعض هؤلاء المدونين إلى نجوم بفضل الفيديوهات التي يقومون بنشرها على الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة "الفيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" وتحقق في ظرف قياسي مشاهدات خيالية تقدر بالملايين. و"البودكاست" أو "مدونات اليوتوب" عبارة عن فيديوهات مسجلة ومصورة تنشر على الموقع، بحيث تبدأ بفتح قناة على الشبكة مجانا ثم ينشر الفيديو الذي يتناول ظاهرة أو قضية معينة مستقاة من الواقع الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي. نجاح في ظرف قياسي في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أطلق البودكاستر الجزائري الشهير شمس الدين لعمراني، المعروف بين متابعيه باسم "شمسو ديزاد جوكر"، مقطع فيديو حول القضية الفلسطينية انتقد فيه قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل. وعنون هذا المدون عمله الذي أصدره باللغة الإنكليزية بـ"سامحينا فلسطين" وتضمن مشاهد له وهو ينزف دما ويردد هذه العبارة ويقول "نحن فاشلون" في إشارة إلى المسلمين الذين لم يتمكنوا من حماية القدس. وصرح "ديزاد جوكر"، لوسائل إعلام محلية أن مقطع "فلسطين" الذي حقق مشاهدات قياسية هو الأفضل منذ بدايته في هذا المجال حيث سهر رفقة فريقه، وفي وقت قياسي، على الخروج بعمل يليق بحجم القضية. وبلهجة جزائرية محلية أحدث المدونان شمس الدين الدين عمراني، وأنس تينا، ما يشبه هزة في مواقع التواصل الإجتماعي والأوساط الرسمية عندما أطلقا تزامنا والانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في 4 مايو/آيار الماضي، عملين مصورين "ما نسوطيش" المحوّر من الكلمة الفرنسية "ما نفوطيش" أي (لا أنتخب) و"الرسالة" الساخر المستوحى من فيلم "الرسالة"، الشهير للراحل مصطفى العقاد. وكان وقتها الرد الرسمي على "ما نسوطيش" و"الرسالة" على لسان وزير الشؤون الدينية الجزائري محمد عيسى، الذي قال إن "بعض الشباب غير مدرك لواجبه السياسي، وإن دعاة المقاطعة لا يمثلون إلا أنفسهم". وأشار الوزير إلى أن هناك "حملة شعواء" على مواقع التواصل تستهدف العملية الانتخابية. "راني زعفان" يعود في الانتخابات البلدية والولائية وفي الـ17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حرك المدون الجزائري أنس تينا، واسمه الحقيقي "انس بوزغوب" السلطات الجزائرية بعد نشره لفيديو عنوانه "راني زعفان" (أنا غاضب) حصد أزيد من 7 ملايين مشاهدة في ظرف أيام قليلة. وتزامن "راني زعفان" الذي ينتقد فيه صاحبه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد مع انتخابات المجالس الشعبية والولائية (المحلية)، التي جرت في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. وردت السلطات على هذا الفيديو عبر وزيري الداخلية نورالدين بدوي، والاتصال جمال كعوان. واعترف وزير الداخلية بدوي، بتأثير "راني عفان" على الانتخابات قائلا: هناك فراغ قانوني لمراقبة شبكة "فيسبوك" في الجزائر أيام الانتخابات. واكد في حوار سابق مع الإذاعة الحكومية، إن "الهيئة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات تعمل لإيجاد آليات تمكنها من متابعة التجاوزات التي تحدث بالفضاء الأزرق (فيسبوك) وهناك تكنولوجيات تعدت القانون". ومنتقداً هذا الفيديو، قال وزير الاتصال جمال كعوان "نتأسف لرواج فيديوهات عبر مواقع التواصل ترسم صورة سوداوية عن الجزائر". وأضاف في مؤتمر صحفي سابق أن "الظاهرة تتكرر عشية كل موعد انتخابي". وجاء هذا الفيديو في وقت تخوفت فيه السلطات والأحزاب من عزوف الناخبين عن انتخابات المجالس الشعبية البلدية والولائية. ووفق الداخلية بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية 46.83 في المائة، في حين وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات الولائية 44.96 في المائة. وفي الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/أيار 2017، لم تتجاوز نسبة المشاركة 35 بالمائة، وهي الأضعف في تاريخ التعددية السياسية في البلاد التي أقرها دستور فبراير/شباط 1989. تأثير محدود على السلطة والرأي العام المدون الجزائري يوسف بعلوج قلل من تأثيرات الفيديوهات الأخيرة سواء "مانسوطيش "أو "راني زعفان" أو "الرسالة" على الرأي العام بالرغم من أنها حركت السلطات وجعلتها ترد. وقال بعلوج، صاحب منصة "بودكاست آرابيا" "صحيح أن هذه الأعمال حركت السلطات ودفعتها إلى الردّ ولكنّها لم تؤثر عليها، لأنّ التأثير كلمة قوية وتتعلق بالفعل ورد الفعل". وأوضح "المشاهد عندما رأى هذه الفيديوهات لم يحتج ولم يخرج إلى الشارع". وتابع "أرى هذا الموضوع من زاوية استهلاك خطاب سياسي معارض، صحيح أن هذه الأعمال حققت نسب مشاهدة كبيرة جدا، ولكن لا يمكن أن تصنع الرأي العام". وحول ردّ السلطات على المدونين في كذا مناسبة، أشار المتحدث إلى أنّ "الوزراء يخرجون أحيانا عن واجب التحفظ ويدلون بتصريحات لا معنى لها، وليس من مقام وزير الداخلية مثلا أن يرد على مدون نشر فيديو على اليوتوب وهذا لا يعني أنني أقلل من قيمة المدونين". ولفت بعلوج، إلى أنّ "رجل الدولة يفترض أن يكون لديه خطاب مغاير ولا يقع في انتقاد أو مهاجمة مدوني اليوتوب". وأوضح المتحدث أنه "ليس بالإمكان مقارنة المدونات الرقمية بالإعلام، باعتبار أن الأخير سلطة رابعة تراقب أداء السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتقوم بتوعية المواطن، وتنقل له المعلومة الصحيحة. غير أنّ المدونين رغم تحقيقهم لمشاهدات عالية لم يصلوا إلى درجة تغيير تفكير الناس وواقعهم وغيرها". وحول تزامن إطلاق "راني زعفان" مع البلدية والولائية، و(ما نسوطيش/لا أصوت) مع الانتخابات البرلمانية، علق بعلوج، بأنّه إذا كان يهدفان إلى مقاطعة الانتخابات، فالمقاطعة ليست جديدة بل المشاركة قلّت منذ عدّة سنوات، والمواطن الجزائري أصبح لا يبالي بها". وقال "حزب اللامصوتين (المقاطعين) كما يسمى هو أكبر حزب في الجزائر".
مشاركة :